على الرغم من أن صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس قد اضطر للتراجع عما جاء على لسانه في المقابلة الصحافية التي أجريت معه بعيد انتهاء لقاء المصالحة الأخير في القاهرة، والتي أكد فيها فشل اللقاء، إلا أنه في الواقع عبر عن حقيقة ما انتهت إليه الأمور. فحرص الراعي المصري على عدم الإقرار بفشل اللقاء لا يغير من حقيقة الفشل، الذي كان متوقعا ومؤكدا.
ولا حاجة للعودة إلى التسريبات المؤكدة حول ما حمله مدير مخابرات السلطة ماجد فرج لقائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار قبيل لقاء القاهرة الأخير، حيث تبين مما نقله فرج بشكل واضح وجلي بأن فتح غير معنية بتطبيق بنود اتفاق المصالحة.
ولا حاجة للقول إن الحديث عن "تمكين" الحكومة هو وصفة لتبرير عدم تطبيق الاتفاق، على اعتبار أنه بإمكان حركة "فتح" والسلطة دوما اختلاق الشواهد على عدم تمكين رام الله من إدارة قطاع غزة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما السيناريوهات المطروحة أمام حركة حماس للتعاطي مع فشل المصالحة؟
في الحقيقة، هناك ثلاثة سيناريوهات قد تسلكها حماس أو يعرض عليها أن تسلكها، وهي كالتالي:
أولا: يمكن أن تعلن حماس النكوص عن اتفاق المصالحة من خلال السيطرة مجددا على المعابر التجارية من أجل توفير السيولة النقدية التي تسمح بدفع الرواتب بشكل جزئي للموظفين وتشغيل المرافق والمؤسسات الرسمية ذات الطابع الخدماتي.
إن تبني هذا الاتجاه خطأ استراتيجي، حيث أنه يسمح لرئيس السلطة محمود عباس بتحميل حماس المسؤولية عن إفشال المصالحة، مما يمنحه المسوغ لفرض المزيد من العقوبات على قطاع غزة. ناهيك عن أن العودة لإدارة حكم القطاع هو تكريس للخطيئة الاستراتيجية التي وقعت فيها الحركة عندما اعتقدت أنه بالإمكان الجمع بين الحكم والمقاومة.
ثانيا: يمكن أن تعرض مصر، التي باتت تعي تماما أن عباس غير معني بانجاز المصالحة لأسباب عديدة، على حماس العودة لصيغة التفاهم مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، وفق صيغة تفاهم تقوم على تمثيل دحلان قطاع غزة أمام العالم الخارجي في حين تمسك حماس بالأوضاع الداخلية، إلى جانب منح أنصار دحلان هامش حرية كبير.
وفي المقابل يتولى دحلان، من خلال دعم قوى إقليمية توفير الدعم المالي الذي يغطي العجز الناقص عن توقف تحويل الموازنات من قبل السلطة للقطاع. وهذا سيناريو بالغ الخطورة؛ حيث أن دحلان يتحرك من خلال مظلة إقليمية واضحة المعالم تتبنى مواقف معادية من حركة حماس. وهذه المنظومة لن تقدم أي دعم إلا باشتراطات سياسية تستهدف المقاومة وسلاحها ويرمي بشكل خاص إلى إجبار الحركة على خيارات إقليمية بالغة الصعوبة.
ثالثا: تعلن حماس بعد فشل جهود المصالحة أنها لم تعد طرفا في الانقسام الداخلي، وأن مهمة إدارة قطاع غزة باتت مسؤولية كل الفصائل الفلسطينية. مع العلم أنه باستثناء حركة "فتح" فإن كل الفصائل تجاهر بتحميل السلطة المسؤولية عن فشل جهود المصالحة.
ومن الواضح أنه نظرا لعدم وجود جهة مستعدة لتمويل الخدمات وتوفير الرواتب، فإن هذا يعني أنه سيتم الدفع نحو فوضى تؤثر بشكل سلبي على (إسرائيل) والقوى الإقليمية ذات العلاقة بملف المصالحة.
فعندما يوضع قطاع غزة بين خيار قبول تقديم التنازلات أو الموت جوعا، فهناك خيار ثالث سيقلب الطاولة على الجميع: ألا وهو الفوضى التي ستدك مفاعليها كل الاتجاهات بشكل يقنع الأطراف ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالشأن الفلسطيني أنه ليس من مصلحتها بقاء الواقع في قطاع غزة على حاله.
وفي حال ترافق السيناريو الأخير مع تطورات تفضي إلى التأثير على البيئة الأمنية في الضفة الغربية بشكل يقلص من قيمة السلطة الأمنية، فإن هذا يمثل تحولا إيجابيا جدا وسيمثل محفزا آخر للأطراف الإقليمية والدولية وللسلطة للإقلاع عن استراتيجية محاصرة غزة لأن أضرارها ستعلو على عوائدها.