تفرض زوارق الاحتلال "الإسرائيلي"، على صيادي قطاع غزة واقعاً أليماً ومرهقاً، فبالكاد يمضي يوم واحد دون أن تسجل هذه الزوارق اعتداءً مميتاً على الذين يبحثون عن لقمة عيشهم داخل ال 6 أميال من عرض بحر قطاع غزة.
ومنذ بدء الحصار "الإسرائيلي" على قطاع غزة عام 2007م، كان صيادو القطاع الحلقة الأضعف في مواجهة الاحتلال "الإسرائيلي"، إذ تستفرد فيهم زوارقه الحربية مستغلةً توقف الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية، لتشرع بارتكاب جرائم بحقهم دون أي سبب أو ذريعة.
(إطلاق النار، ومصادرة المراكب والمعدات وحرقها، وإصابة وقتل واعتقال الصيادين وتقليص مساحة الصيد، ومنع دخول المعدات)، جملة الانتهاكات هذه أجبرت عدداً كبيراً من الصيادين خلال العقد الماضي، على العزوف عن مهنة الموت وفق ما يطلق عليها أصحابها.
صيادون بلا معدات
خلال دقائق بسيطة لم تتجاوز أصابع اليد، وجد الصياد عبد الرحمن فريد نفسه بلا قارب ولا معدات، بعد أن تقدم زورق "إسرائيلي" تجاهه في بحر شمال قطاع غزة، وأمره بربط قاربه بذيل الزورق الحربي بينما أجبر للصعود على ظهره ليقع في فخ الأسر لمدة ثلاثة أيام عاش خلالها ساعات قاسية من التحقيق والاستجواب.
معاناة الصياد صاحب ال 27 عامًا، بدأت بعد أن أفرج عنه جيش الاحتلال، وعاد إلى قطاع غزة عبر معبر "إيرز بيت حانون" دون قارب أو معدات كان قد ورثها عن والده ويقدر ثمنها ب 15 ألف دولار، ليجبر على التوقف عن العمل ويضاف إلى سجل البطالة الذي يفترس القطاع.
يقول فريد للرسالة: "منذ أن صادر الاحتلال مركبتي قبل عامين، تعيش أسرتي أياماً قاسية من الفقر، حيث كانت المركبة توفر لنا قوت يومنا، واضطررت بعد مصادرتها إلى العمل على متن قوارب صيد لصيادين تربطني بهم علاقة جيدة، إلا أن تقاسم الرزقة لا يكفي لتغطية احتياجات أسرتي التي أعليها".
ويعيش الصياد يوسف التوم قصة مشابهة تماماً لسابقه، إذ صادرت الاحتلال مركبتين له بحجة تجاوزه المنطقة المسموحة للصيد ودخوله بالمنطقة الصفراء، إلا أنه يوضح "للرسالة" أن هذه التهمة كانت ذريعة لزوارق الاحتلال لقعمه هو وزملاءه الذي يعيلون ثلاثة أسر وإبعادهم عن مهنة الصيد التي كانت لهم مصدر رزق.
أجساد مخزقة
دفع خوف الصياد أحمد زايد (30 عاماً) على معدات صيده، إلى دفع ثمن قاسٍ كاد أن يؤدي بحياته، بعد أن وجد زورقاً حربياً يتقدم صوب مركبته ليفترسها ما أجبره على الهروب، ليجد وابلاً من الرصاص يخترق جسده بكل سهولة.
يكشف زايد هذه اللحظات المرعبة "للرسالة"، بعد أن كان متوجهاً إلى نصب شباك صيده قبل حلول الظلام بلحظات قليلة شمال قطاع غزة، وقبل الاقتراب من المنطقة الممنوعة بمئة متر تقريباً، هاجم زورق إسرائيلي مركبته بصورة مفاجأة أجبرته على محاولة الهرب إلا أنها فشلت بعد إصابته ب 7 رصاصات بمختلف أنحاء جسده وإحالته إلى الاعتقال.
ليطلق سراحه قبل أن يتماثل للشفاء وهو بحالة صحية حرجة، ويكمل عملية الاستشفاء في قطاع غزة، إلا أنه لم يعد قادراً على أن يمارس مهنة الصيد المتعبة ليعيش ظروفاً مالية وصحية متردية بعد جريمة زوارق الاحتلال التي ارتكبتها بدم بارد.
يوسف السلطان كان أيضاَ من الصيادين الذي نالت من رصاصات الاحتلال وأجبرتهم على اعتزال مهنة الصيد.
يقول السلطان "للرسالة"، من دون أي سبب أو عذر مقنع، فتحت زوارق الاحتلال رشاشتها صوبنا ووجدت نفسي أخرج من الماء وأنا مدرجاً بدمائي، لينقلني إخوتي مباشرة إلى المستشفى بعد أن أصابتني ثلاث رصاصات واحدة في البطن واثنتان في قدي اليسرى.
ويوضح بأنه لم يعد بمقدوره العمل صياداً، كونها المهنة تحتاج إلى قدرة بدنية قوية سرقتها رصاصات الاحتلال من جسده، ليعيش أياماً سوداء في الفقر المدقع.
إحصائيات محزنة
بدوره يوضح نزار عياش نقيب الصيادين في قطاع غزة، بأن زوارق الاحتلال حولت مهنة الصيد في قطاع غزة إلى مهنة الموت، إذ عزف ما يقارب ال 1000 صياد عن العمل بشكل مستمر، بعد أن أحالتهم انتهاكات الاحتلال إلى البطالة.
ويؤكد عياش "للرسالة" أن الاحتلال يرتكب بشكل يومي مجازر بحق الصيادين دون أي سبب أو عذر، وإنما إكمالاً لمسلسل التضيق والحصار على قطاع غزة الذي يعيش ظروفاً إنسانية قاسية منذ 11 عاماً.
وبحسب عياش فإن 4 آلاف صياد يعيلون 50 ألف نسمة في قطاع غزة يعيشون ظروفاً صعبة ومعقدة للغاية بعد تقليص مساحة الصيد داخل ال 6 أميال، ويجبر منهم 1000 صياد على العمل بشكلٍ موسمي ومتقطع نتيجة للانتهاكات "الإسرائيلية" المتكررة.
ويوضح عياش أن جرائم الاحتلال خلال العام الماضي، أسفرت عن استشهاد صيادين اثنين وإصابة 7 آخرين، بينما اعتقلت قوات الاحتلال 23 صيادًا، وصادرت 20 قارباً مع معدات الصيد التي على متنها، بينما يستمر إطلاق النار عليهم على مدار الساعة.
وكشف عياش أن 4 قوارب كبيرة من نوع (جر وشنولة)، تقدر قيمة الواحدة منها بمبلغ يزيد عن ال 100 ألف دولار صادرها الاحتلال خلال العام الجاري، وفي نفس الوقت يمنع الاحتلال منذ بدء الحصار "الإسرائيلي" من دخول معظم المواد التي تتعلق بالصيد.
وفقاً لنقيب الصيادين فإن 150 قاربًا متوقف بشكل كامل عن الصيد، بعد منع الاحتلال من دخول مادة الفيبر جلاس التي تستعمل في ترميم وإنشاء السفن، وتمنع أيضاً دخول القوارب ومحركاتها وقطع تصليحها ومولدات الكهرباء وحبال الصيد.
وكان الأحد الماضي قد شهد آخر الانتهاكات "الإسرائيلية بحق الصيادين، إذ صادرت قوات الاحتلال مركبة الصياد أمين أبو الصادق واعتقلت 5 من الذين يعملون على متنها رغم عدم تجاوزهم المنطقة المسموح بها للصيد.