كان واضحاً من تِعداد مسيرة موظفي غزة تزايد القلق على مصيرهم؛ في ظل تردي وضع المصالحة في الأسابيع القليلة الماضية، وتصريحات قادة حركة فتح والسلطة التي تتهرب من مسؤولياتهم اتجاه ملف الموظفين، والتي تزامنت مع مرور شهر كامل على موعد صرف الدفعة المالية الأولى لموظفي غزة.
وشارك آلاف الموظفين في مسيرة حاشدة طافت شوارع مدينة غزة، طالبوا خلالها برحيل حكومة رامي الحمد الله لتقاعسها عن حل أزمتهم، ودعوا إلى ضرورة إنهاء عملية دمجهم، وصرف الدفع المالية المتفق عليها في القاهرة، خلال فترة عمل اللجنة القانونية الإدارية الخاصة بموظفي غزة، مع الإشارة إلى أن المسيرة الأخيرة لاقت اهتمامًا شعبيًا وفصائليًا، وأعاد قضيتهم إلى الواجهة مجدداً.
وتزامناً مع المسيرة يوم الثلاثاء الماضي، أفاد نائب رئيس الوزراء، رئيس اللجنة القانونية الإدارية الخاصة بموظفي غزة زياد أبو عمرو، أن اللجنة تضم في عضويتها كل من: شكري بشارة، وموسى أبو زيد، وماجد الحلو، ومحمد عبد القادر الرقب، مشيرًا في تصريح أوردته وكالة "وفا" الرسمية، أن اللجنة ستركز على وضع المعايير والآليات الخاصة بحل مشكلة موظفي غزة كما جاء في اتفاق القاهرة.
يشار إلى أن موظفي غزة تسلموا نحو 40% من راتب شهر واحد خلال الـ90 يومًا الماضية (أشهر 10 و11 و12)، وبحسب بيانات وزارة المالية بغزة فإن الموظفين تلقوا يوم 26 نوفمبر الماضي (2017) 1000 شيكل من راتب شهر أكتوبر، ولحقها تتمة الـ40% بحد أدنى 1200 شيكل.
وأوضحت الوزارة أن الموظفين دخلوا مع العام الجديد الشهر الثالث دون رواتبهم المقرر أن تصرفها حكومة الوفاق وفق اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة في 12 أكتوبر الماضي برعاية مصرية، والذي ينص على "أن تستمر الحكومة بتسليم الموظفين (موظفي غزة) رواتبهم التي تُدفع لهم خلال عمل اللجنة (القانونية والإدارية) اعتبارًا من راتب شهر نوفمبر 2017، فور تمكين الحكومة من القيام بصلاحياتها الإدارية والمالية بما في ذلك التحصيل والجباية".
من جهته، قال نقيب موظفي غزة يعقوب الغندور: "إن حالة من انعدام الأفق تسود ملف الموظفين رغم تزايد معاناتهم"، مضيفًا "كنا قد أعطينا الفرصة في الشهور الماضية لإنجاح المصالحة، وما زلنا ندعم هذه الجهود، لكن الحكومة مازالت تتهرب من استحقاقات المصالحة بالتنكر من ملف الموظفين وحقوقهم".
وعدّ الغندور في تصريحات صحفية، أن استمرار تنكر الحكومة لحقوق الموظفين يدل على أن "مصير المصالحة التعطيل والفشل"، مطالبًا بسرعة دمجهم في السلم الإداري للسلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن "نجاح خطوات المصالحة، مرتبط بحل ملف الموظفين والاعتراف بحقوقهم"، مبينًا أن "التمكين الحقيقي يتم عبر بوابة الموظفين وصرف رواتبهم بشكل كامل".
وتسلمت الحكومة الجباية على معابر القطاع بشكل كامل، لكنها رفضت استلام الجباية الداخلية بحجة وجود مرسوم للرئيس محمود عباس بإعفاء المواطنين بغزة من أي جباية داخلية، وفق ما قاله قائد حماس بغزة يحيى السنوار مؤخرًا.
وتضاف أزمة الموظفين إلى سجل الأزمات القائمة بغزة رغم تسلم الحكومة لمهامها منذ أول نوفمبر المنصرم، حيث داهمت الكارثة الإنسانية القطاع الصحي، بدءًا من إضراب عمال النظافة وشركات الطعام، إلى عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية، وبعد طول مناشدات، دفعت الحكومة مبلغًا ماليًا لوقف الأزمة، فيما أعلنت عن تسيير قافلة أدوية الأسبوع المقبل، إلا أن هذه الخطوات الحكومية لا تشكل سوى "إسعافات أولية" للأزمات المتفاقمة.
مماطلة السلطة
وفي التعليق على ذلك، كشف مصدر حكومي مسؤول بغزة عن أن اجتماع اللجنة القانونية الإدارية جاء بضغط من الوسيط المصري خلال الأيام القليلة الماضية، والذي ضغط أيضًا باتجاه إشراك أعضاء ممثلين عن حكومة غزة السابقة، إلا أن الجهود أسفرت عن إضافة محمد الرقب رئيس ديوان الموظفين السابق للجنة، ورفض مشاركة يوسف الكيالي وكيل وزارة المالية، ومحمد عابد رئيس ديوان الموظفين الحالي، رغم اطلاعهم على تفاصيل ملفات الموظفين كافة.
واستبعد المصدر ذاته في تصريح لـ"الرسالة" أن تسفر اجتماعات اللجنة عن شيء عملي خلال الفترة الحالية، في ظل حالة المماطلة التي تنتهجها السلطة وحركة فتح في ملفات المصالحة كافة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الهدف الأول لدى الحكومة حاليًا استلام إيرادات غزة دون تقديم ضمانات بصرف دفعات مالية لموظفي غزة كما طلبت حركة حماس في لقاءات مع عدد من وزراء الحكومة خلال الأيام الماضية.
وفي المقابل، قال جميل مزهر رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة المصالحة: "إن هناك جهودًا حقيقية تبذل منذ أيام لإحداث اختراق في الأزمات التي أعاقت المصالحة"، مشيرًا إلى أنه سيجري الإعلان عن النتائج الأسبوع المقبل - رافضًا إبداء مزيد من التفاصيل-.
وأوضح مزهر في تصريح خاص لـ"الرسالة" أن المخابرات المصرية بصفتها راعية المصالحة على إطلاع دائم على تطورات ملف المصالحة، وتدعم عمل اللجنة الوطنية التي عقدت لقاءات متتالية مع الفصائل وأطراف الأزمة خلال الأيام الماضية، مؤكدًا على أن هناك تحركات جادة لإزالة المعيقات في أقرب وقت ممكن.
وفي نهاية المطاف، تبقى الأيام القليلة المقبلة كفيلة بإظهار صدق نوايا الحكومة وحركة فتح في حل أزمات قطاع غزة، على ضوء اجتماعات لجنة الموظفين باعتباره قضيتهم الملف الأبرز في المصالحة.