قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: المقاومة وعقلانية الجنون المنظم

عماد عفانة
عماد عفانة

عماد عفانة

يكاد يجمع المراقبون أن الاحتلال يشن ومنذ زمن حربه الرابعة على غزة لكن دون إعلان.

فقد رصد المتابعون خلال الأشهر القليلة الماضية نحو 40 عدوان شنه العدو على شخصيات ومواقع ومقدرات للمقاومة في قطاع غزة .

لم يكن بدايتها جريمة اغتيال الشهيد مازن فقهاء ، التي نفذت بأيدي عملائه وأوراقه السوداء، تماما كما نفذت جريمة اغتيال المبحوح في الامارات، ما يثير المخاوف من تكرار العدو لسيناريوهات مشابهة في ساحات أخرى لقطف رؤوس قادة المقاومة دون كثير من الضجيج، تماما كما حدث من محاولة اغتيال الكادر الحمساوي ابو حمزة حمدان بتفجير سيارته في صيدا قبل ايام.

ولن يكون نهايتها اعلان العدو الرسمي -عبر بيان صادر من الجيش- حربه على مواقع المقاومة عبر قصفه للنفق الاستراتيجي شرق رفح الذي يمر تحت معبر صوفا كما زعم، والاعلان عن وجود أنفاق أخرى سيتم الاعلان عن تدميرها الواحد تلو الآخر.

وقد حفلت هذه الفترة الممتدة بين هذين الحدثين الفاصلين استهداف نفق للجهاد الإسلامي نهاية العام الماضي، والاستهداف المركز لمواقع هامة ولمقدرات ومفاجآت القسام الاستراتيجية نهاية شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين.

هذا التغيير في قواعد المواجهة من السر إلى العلن، وتوسيع دائرة الاستهداف عبر قصف أهداف استراتيجية للمقاومة كما وصفها الاحتلال، له ما بعده، لأنه انتقل من مربع حرب الحصار والتجويع وتجفيف المنابع، إلى منهجية الحرب الغير صاخبة، إذ كان العدو يربط عدوانه على المقاومة في قطاع غزة بالرد على إطلاق الصواريخ تجاه بلداته المحاذية للقطاع، لكنه ينتقل اليوم من الرد إلى المبادرة.

توازن الردع الذي حاولت حماس المحافظة عليه في العلاقة مع الاحتلال والتي بلغت أنصع تجلياتها في رد المقاومة على اغتيال القائد أحمد الجعبري والتي تدحرجت إلى حرب 2012، كان يجب ان تستمر في رد المقاومة على كل رصاصة وغارة على قطاع غزة، لكن وعلى ما يبدوا أغرى صمت المقاومة الذي مرده الانغماس في معركة الاعداد أغرى العدو على التمادي في عدوانه شيئا فشيئا حتى تجرأ في القفز من مربع الرد الى مربع المبادرة، ما ربما بات يلزم المقاومة بترميم مبدأ توازن الردع لإعادة الندية في العلاقة مع الاحتلال.

ان استمرار الحصار على غزة، والافشال المتعمد من رام الله لإتمام المصالحة الفلسطينية، والضخ الاعلامي من بعض الدول لخلق بيئة معادية للمقاومة، يستلزم من اذرع المقاومة الممتدة في أكثر من مجال وفي غير إقليم ودولة التفكير في اتخاذ اجراءات وتدابير أكثر جرأة في العلاقة مع العدو، تخرج غزة من التفرد بالمواجهة لصالح فتح ساحات وميادين مواجهة هادئة أخرى ليست للعدو فيها يد طولى.

صورة المقاومة العقلانية التي بات العدو ومن خلال دراساته العميقة يتوقع تصرفاتها وخطواتها المقبلة، يجب أن تخرج من هذه الدائرة لصالح سيناريوهات غير متوقعة لسلوكها في المرحلة القادمة، سواء حيال كسر مراهنة العدو على امتصاص المقاومة للضربات للحيلولة دون توسيع العدو لدائرة ضرباته للمقاومة تحت الحزام.

يبدوا أن فتح ساحات مقاومة فاعلة في الضفة المحتلة  تواجه صعوبات حقيقية بسبب التعاون الأمني المقدس الذي تمارسه سلطة عباس مع الاحتلال، ما بات ربما يفرض على المقاومة بكل أذرعها التعامل مع المتعاونين من أذرع السلطة الأمنية كما تتعامل مع الاحتلال من أجل وقف تغول هذه الأجهزة الأمنية على المقاومة وتقليم مخالبها الغادرة.

البيئة الشعبية المؤيدة للمقاومة وللحق الفلسطيني، والذي برز في رد فعله المميز من المحيط إلى الخليج وفي كثير من الدول الإسلامية على اعلان ترامب القدس عاصمة "اسرائيل"، ربما بات على المقاومة استثماره وتوظيفيه في اتجاهات أخرى غير التظاهرات السلمية والتعاطف في الساحات الافتراضية،  لصالح اتجاهات مختلفة كفيلة بإرسال رسائل قوية توقف مساعي قوى في الإقليم تقود التطبيع والاعتراف "بإسرائيل"، فضلا عن توجيه ضربات مؤلمة للعدو في خاصرته الرخوة التي تمثلها مصالحه واستثماراته وجالياته وممثلياته المنتشرة في العالم.

مراهنة العدو على استسلام شعب غزة المحاصر والمجوَع والمرهق في أي حرب سريعة قصيرة يهدد بشنها قريبا على غزة، يجب أن تبدده المقاومة بالعمل سريعا على اعادة جدولة بنك أهدافها لصالح نقل المواجهة داخل أراضي العدو، وفي قلب معسكراته ومغتصباته ومرابض طائراته ليس على حدود غزة فحسب ولكن في العمق الصهيوني أيضا، ما بات ربما يفرض على المقاومة توظيف أوراق لطالما أرجأت اللعب بها قادرة على شل العدو من الداخل، واللبيب تكفيه الاشارة.

البث المباشر