تتفاعل في الشارع الفلسطيني قضية تنصت "وحدة المراقبة الإلكترونية" التابعة لأجهزة أمن السلطة على مكالمات شخصيات اعتبارية وقيادية ومهنية، لاسيما بعد الكشف لأول مرة عن خفايا وأسرار الوحدة التي قامت بهذا الدور بالتعاون مع جهات خارجية تعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وشملت عمليات "التجسس" مكالمات دارت بين قادة الفصائل ونواب المجلس التشريعي في قطاع غزة والضفة الغربية، والتجسس على مكالمات وفد المخابرات المصرية الذي زار قطاع غزة لإتمام اتفاق المصالحة، فضلاً عن التنصت على صحفيين ومحامين وعائلاتهم.
جهات أمنية
ومن جملة الذين اشتكوا من تعرضهم لاختراق اتصالاتهم والتنصت على مكالماتهم كانت نقابة المحامين في الضفة، التي أكدت أن بعض الجهات تنصتت على مكالمات نقيبها جواد عبيدات ونشر محاضر مكالماته مع مؤسسات مجتمع مدني.
ورغم أن داوود برعاوي أمين عام مجلس نقابة المحامين، لم يوجه اتهاماً مباشراً لأي دائرة أمنية بعينها، إلا أنه تحدث بوضوح لـ"الرسالة" بأن عمليات التنصت تحمل بصمات جهات أمنية، حيث قامت نقابته بتقديم شكوى للنائب العام بالخصوص.
وأضاف أنه تم بشكل فعلي اختراق مكالمات لأعضاء من مجلس النقابة، وهذه المكالمات حُورت وأُخرجت من سياقها باتجاه واضح المقصود منه هز الثقة بمجلس النقابة في ظل معركته مع حكومة الحمد الله في موضوع الحريات العامة في الضفة الغربية.
وأوضح أن النقابة-حتى اللحظة- لا تستطيع الجزم بكيفية وآلية عملية الاختراق، هل هي على شكل اعتراض للمكالمات أو اختراق عبر الاتصالات أو غيرها؟، مكرراً أن النقابة لا يمكن لها أن توجه الاتهام لأي جهة بشكل مباشر.
وحول ما إذا كان هذا الدور قامت به أجهزة السلطة بالضفة لصالح الاحتلال (الإسرائيلي)، أكد برعاوي أنه من الواضح أن الجهة التي قامت بالتنصت والاختراق " لديها الإمكانيات الهائلة والقدرة المالية واللوجستية لتوفير الأجهزة التي تقوم بعملية الاعتراض للمكالمات وتفريغها كتابياً وتخزينها"، مضيفاً أن هذه الإمكانيات لا تتوفر لدى أشخاص وإنما لجهات أمنية متنفذة، لكن من هي وما هي تفاصيلها حتى هذه اللحظة ليس لدينا معلومات، على حد تعبيره.
انتهاك خطير
وعبرت مؤسسة الحق لحقوق الإنسان عن بالغ قلقها لما نشر في بعض وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي من عمليات تنصت وتسريب لمكالمات المواطنين.
وأوضح المستشار القانوني في "الحق" عصام عابدين، أنه على إثر ذلك أصدرت مؤسسته بيانا للرأي العام، طالبت فيه الجهات الرسمية بموقف علني حول ما تم نشره عن وجود وحدة لدى الأجهزة الأمنية في الضفة تتعاون مع أجهزة أمنية أخرى للتنصت على المواطنين.
وذكر عابدين في حديثه لـ"الرسالة نت" أن التنصت طال الضفة وغزة، واستهدف أعضاء في قوى وفصائل سياسية وأعضاء في التشريعي ومنظمة التحرير وصحفيين وأعضاء في نقابة المحامين وعائلاتهم، مضيفاً أنهم توقفوا عند محاضر نُشرت لمكالمات صادرة عن نقيب المحامين تُظهر أرقاماً ونصاً للمكالمات التي أجراها، بما يشير إلى أننا أمام أجهزة متطورة تقوم بالتنصت وتسجيل المكالمات".
وأشار إلى أن مؤسسته تواصلت مع مجلس نقابة المحامين، حيث أكد لهم الأخير أن هذه المكالمات جرت بالفعل، وأنه جرى تحويرها، مؤكداً أنهم سيعقدون لقاء مباشراً مع رئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمد الله للوقوف على موقف الجهات الرسمية بالخصوص، فضلاً عن تقديمهم بلاغا جزائيا للنائب العام.
وأوضح عابدين أن عملية التنصت حال ثبوتها وما نشر من تسريبات تشكل اعتداءً خطيراً على الحق في الخصوصية المكفول في القانون الأساسي الفلسطيني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين بدون تحفظات، وتشكل جريمة دستورية موصوفة بمقتضى المادة (32) من القانون الأساسي لا تسقط بالتقادم وتستوجب الملاحقة الجنائية وتعويض المتضررين.
تقاسم وظيفي
من ناحيته، يجزم المحلل السياسي محمود العجرمي بوقوف أجهزة السلطة في الضفة وراء عمليات التنصت، موضحاً أن ذلك يأتي في سياق الدور الوظيفي لصالح الاحتلال في إطار التنسيق الأمني القائم منذ اتفاق أوسلو.
وذكر العجرمي لـ"الرسالة نت" أن "التجسس" على كل ما هو خاص وعام يمثل "العمود الفقري لاتفاقية أوسلو"، موضحاً أن ما تم نشره حول التنصت على خصوصيات المواطنين "يؤكد على تقديس التعاون الأمني، واستمرار هذا التعاون مناقض لكل مواقف فصائل المقاومة وخروج عن قرار المجلس المركزي في اجتماعه الأخير وما سبقه في العام 2015".
وبين أن حجم المعتقلين لدى أجهزتي السلطة والاحتلال في الضفة وسرعة الكشف عن العمليات ونشاطات المقاومين في الضفة وآخرها عملية جنين يؤكد أن التنصت على المكالمات هو شكل من أشكال التخابر والتقاسم الوظيفي بين الطرفين، على حد تعبيره.