#طبيخ_ونفيخ.. ينبش خفايا المطبخ الشعبي الفلسطيني

صورة
صورة

غزة- ياسمين عنبر

تتوقف الطنجرة عن الصفير، معلنة استواء ما بها من عدس، يقطع انتظارهم صوت أمهم وهي تقول: "هذا عدس نضوج"، فيشمرون عن ذراعهم ويفترشون الأرض مع العائلة.

حبات الزيتون الخضراء، ورأس البصل كأنه طربوش بابا نويل، ومخللات جيدة وقرون الفلفل، هي ما يصطف حول الصينية كأنها الجند حول الملك، هي طقوس طبخة العدس الشعبي في بيت الحكواتي "العقرباوي"  حمزة ديرية ، ويكررونها عند كل طبخة شعبية تكون حاضرة.

بلا ملل، يحاول "العقرباوي" نفض الغبار عما أهمله الدهر، واختفى من التراث الفلسطيني، لاسيما كل ما يتعلق بالأكلات الشعبية، مبينًا عراقتها وضخامة تنوعها، عبر مبادرة من ضمن مبادراته عن إرجاع التراث إلى الأذهان على وسم #طبيخ_ونفيخ.

كان أكثر ما يؤلم " ديرية" أن تغزو الأكلات الغربية موائد طعام يدعى إليها، فهو يدرك أنه من خلال ثقافة الطعام، تفرض الدول القوية نفسها، وذلك على حساب حُصة الطعام الذي يُعبر عن هوية البلد وثقافته.

يحكي: "حتى أنك تشعر بغربة على موائد الطعام حين تكون الأصناف المُقدمة تُعتبر من المطبخ الغربي الذي فَرض نفسه على حساب ثقافتنا المطبخية المليئة بالعراقة.

"المطبخ الفلسطيني" من الألف إلى الياء بمأكولاته مطبوخة ونية، باردة وحارة وفاكهة وحلوى، عدا عن المشروبات، يدرك ديرية أهمية إرجاع حكاياه وموروثاته الشعبية إلى الأذهان بعد الاجتياح الغربي، في ظل عولمة المطبخ والانفتاح على الآخر وغزو الوجبات السريعة للمطبخ الشرقي.

 فكان هدف #طبيخ_ونفيخ محاولة التمسك بالموروث الغذائي والمناداة بالحفاظ على هوية مطبخنا الفلسطيني وعدم إبقاء أكلاتنا الشعبية حبيسة الأرشيفات والذكريات، يقول "العقرباوي": "وتشتد الحاجة إلى التمسك بهوية المطبخ الشرقي إذا علمنا بأن المشروع الصهيوني يُسارع إلى سرقة تراثنا الغذائي مُحاولاً الادعاء بأن له مطبخ متكامل وتراث غذائي في هذه البلاد مُنذ القدم".

"عكوب ما عكبت وخبيزة ما جابت جابت 12 صبي وبتقول أنا بنية" مثل شعبي يقوله "ديرية" كاشفًا عن الطبخات التي يجب أن تقوم بها المرأة الفلسطينية، كما هو معروف منذ القدم عن ضرورة إتقانها لها.

عادات قديمة يذكرها "العقرباوي" أيضًا في القدم، فراح يحكي عن الحلوى التي كانت توزع على روح الأموات، حيث كانت العادة دارجة في القرى الفلسطينية أن تسارع النسوة لوضع أطباق الكلاج والحلوى والمعمول عند المقابر صبيحة العيد كي يأكل منها المصلون حين يمرون بالمقبرة لقراءة الفاتحة على الأموات.

عسَّاس القدور حكاية شعبية كانت حاضرة في حديث "الرسالة" مع "العقرباوي"، حيث كان هناك ملك مهمته تفقد القدور ليلة راس السنة يسمى "عساس القدور" فما يجده في الطنجرة "القدر" يقول: "دايمًا"، أي "دائم هذا الخير أو هذا النوع من الطعام"، ولذا كان الناس يحرصون أن تكون قدورهم مليئة باللحوم والخير العامر لا العدس والطبخات الناشفة.

أمثلة شعبية كثيرة يذكرها "العقرباوي" للناس من خلال "طبيخ ونفيخ" يحكي منها: "أكلوا ملوخية وصاروا أفندية، ريتني أتصخم بحلة فلان، إذا أعدستم فأبصلوا، البامية عاللسان بلابل وفي المعدة قنابل".

ثراء المطبخ الفلسطيني وتعدد أكلاته يرتبطٌ كما يرى "العقرباوي" بتنوع الملامح الحَضارية لأي بلد، حيث يعد الطعام رمزًا للهوية التراثية، يقول: "المثل يحكي أنت ما تأكل"، ويتابع: "مطبخُنا العَربي غَنيٌ بالمأكولات ذات القيمة الغذائية والعمق التاريخي الذي يُعبّر عنا وعن وبيئتنا وامتدادنا الحضاري العميق".

 يؤمن "ديرية" أن حضارة الشعوب لا تقاس فقط بمستواها العلمي وإسهامها الثقافي وشواهدها المعمارية، وإنما يُنظر إلى كُل إرثها الثقافي الذي أرست أصوله في الحضارة البشرية عُموماً ومن ذلك لباسها ومأكولاتها وأنماط بنائها وفنونها.

البث المباشر