قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: غازي حمد يكشف عن أسرار فشل المصالحة

بقلم: غازي حمد (وكيل وزارة الخارجية في غزة)

نشر الدكتور غازي حمد مقالاً بعنوان “بين وهم المصالحة ومسرحية التفجير: الحقيقة الغائبة!، اليوم الاحد، تناول من خلاله حادثة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله، ومدير المخابرات العامة اللواء ماجد فرج.

(1) خطاب الرئيس : حرق المراكب

أن نواجه مشاكل وعقبات وتحديات، فهذا شيء طبيعي جداً، لكن اللاطبيعي أن ننحط ‘لى حالة من الانتكاس والاحباط والعودة إلى مربع الصفر.

المصالحة اليوم تعيش حالة من الاحتضار لأسباب عبثية .

الوطن والقضية تضيع لأسباب عبثية غير منطقية.

فجأة يهجم خطاب الرئيس، لا ليقدم حلولاً ومخارج من الانتكاسة السياسية والوطنية، بل ليصب النار على الزيت : يشتم ..يوزع الاتهامات، ويطلق الأحكام دون أدلة، وأمام جمع كبير من القيادات التي لم يتجرأ أحد منهم ان يقول له (صلي على النبي) !!

حتى من يعرف الحقيقة منهم يخشى أن يقول للرئيس (لا).

لقد احرق الرئيس جميع المراكب وقضى على فرصة المصالحة، ثم توعد بفرض عقوبات على هذا القطاع المتخم –اصلا- بعقوبات الاحتلال !!

ماذا سيضيف من عقوبات اذا كانت الكهرباء والمياه والمعابر والاقتصاد والبطالة في حالة مزرية ؟؟

أي رئيس يعاقب شعبه في وقت تعقد فيه الاجتماعات الدولية لانقاذ غزة من الانهيار ؟؟

ثم يقولون لك انه ليس عقاباً لاهل غزة بل هو عقاب لحماس !!

ماذا ارتكبت حماس من (كبائر) تستوجب اقامة (الحدود) السلطوية عليها؟!!

كان الرئيس حاداً مع حماس أكثر مما كان حاداً مع اسرائيل، التي سلبت وطنه وقتلت شعبه وأرهقته (ونكدت عيشته) لأكثر من ربع قرن في مفاوضات عبثية أوصلته الى (صفر كبير).

بل انه لا يزال يمده للسلام معها , ولا زال يفني عمره في حل محكوم عليه بالفشل اسمه حل الدولتين، ولا زال يبحث عن مرجعية (سلام وهمي) بعد عشرين سنة مفاوضات !!

الرئيس كان في فورة غضب، وخطابه كان (فشة خلق)، خرج فيها عن كل القواعد الدبلوماسية وحتى المنطق في طرح الاشياء.

هل أصبح المنطق والحساب السياسي:(يا بتشيل يا بنشيل) !!

أهي (بكسة بندورة) حتى نقسمها بيننا يا سيادة الرئيس ؟؟

ولا هي (حاكورة) حتى يتم تسليمها بدون قيد أو شرط !!

أليس هذا (انقلابا) فجا على اتفاق المصالحة الذي وقع بموافقة الرئيس؟

في كل مرة يشهرون سيف (الشرعية)-غير المعرفة سياسيا أو وطنيا-,وأن غزة الهاربة من حظيرتها يجب ان تعود اليها، حتى أضحت محل (مزاودة)، بل ونكايد بعضنا بعضا بها ,وكأننا نعيش في ترف دولة مستقلة، وليس تحت احتلال لا يبقي من الشرعيات سوى شرعية مقاومته وانهائه.

(عيب) نضل نحكي في الشرعيات ما دام هناك احتلال .

أرجوكم احذفوها من قاموسكم !!

(2)  المصالحة بين الحقيقة والوهم

سأحكي – ليس من باب التحليل لكن من باب الممارسة والتجربة التي عايشتها بنفسي في مسار المصالحة طوال الاشهر الماضية -، وتتبعت كل تفاصيلها، وأستطيع استحضار الكثير من الاسماء الكبيرة(وزراء وقيادات) التي رافقتها طوال الاشهر الماضية والتي كانت شاهدا على صدق ما اقول .

منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاق المصالحة، عقدت حماس ما يشبه غرفة العمليات اليومية التي سعت بقوة واخلاص لتنفيذه بحرفية وموضوعية، بل وقدمت مرونة –غير مسبوقة- تجاوزت حدوده، خاصة في موضوع عودة الموظفين وتمكين الحكومة وتسليم المعابر.

بل أشهد أن السنوار كان يشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة، وبشكل يومي وعمل مثابر وحاسم كي يتأكد من ان الامور تسير على ما يرام.

كنا نراه وهو يعقد الاجتماع تلو الاجتماع في ساعات متواصلة تصل الى حد الثانية والثالثة بعد منتصف الليل، كان لديه طموح قوي ان ينهي هذا الكابوس – الانقسام -، وندخل مرحلة الشراكة الوطنية. وللشهادة -امام الله وامام التاريخ- ان هذا الرجل لم يكن يبحث عن حسابات ضيقة ولا مكاسب حزبية أو حكومية, بقدر ما كان همه الوطن والوطن فقط.

مشهد اندفاعه القوى والعفوي في مسار المصالحة برز في كل لقاءاته التي جمعته مع مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني .

الكل شهد له انه كان صادقاً في كل حرف كان يتفوه به.

للأسف، إن فتح قابلت كل هذا بالشك والطعن والانتقاص والتلكؤ واختلاق المعاذير في الوفاء بالتزاماتها.

كانت اللغة الغالبة هي الاخذ فقط : سلمونا معابر، اعيدوا الموظفين ..أعطونا الجباية ..مكنوا الحكومة، دون أن يقدموا بارقة امل – ليس لحماس – وانما لأهل غزة الذين كانوا يئنون تحت الحصار والمعاناة.

استنزفوا ثلاثة اشهر من أجل إعادة 50 ميجا كهرباء، وماطلوا في تقديم مبالغ زهيدة لمعالجة أزمة الوقود والادوية في الصحة، ولم يضغطوا ولو لمرة واحدة لفتح معبر رفح بعد ان كانوا يدعون دوماً ان وجود حماس هو المعضلة .

ماذا قدمت فتح او الحكومة شيئاً يذكر منذ أن دق ناقوس المصالحة ؟؟

ومع ذلك, قلنا يجب ان نمضي ولا نتوقف، لكن كنا نواجه بالعنت والرفض،  والاغرب من ذلك الاتهام بان حماس هي التي تعطل المصالحة !!

حينما كنت التقي السنوار في مكتبه كان ينظر الى مستغرباً ومتسائلاً، كنت اقول له “اصبر”، هذه مرحلة (بلع الزلط)”.

كان لديه ايمان قوي بأن يسير في المصالحة حتى النهاية رغم كل الانتقادات التي انصبت عليه حتى من داخل الصف الحمساوي الذي تولد له احساس قوي أن فتح لم تقدم في المقابل شيئاً.

كانت حماس تتوقع من السلطة / حركة فتح ان ترد بالمثل وتقوم بخطوات ايجابية لضخ وقود اكبر في قطار المصالحة، غير ان شيئاً لم يحدث، وبدأت الشروط والاشتراطات تطل برأسها من جديد.

لا تمكين بدون جباية، لا تمكين بدون قضاء، لا تمكين بدون امن !!

وبدأ التركيز على صغائر الامور هنا وهناك، وكأنها القشة التي تقصم ظهر المصالحة.

خرجت المصالحة من دائرة الحوار الى دائرة الاشتراطات، ومن نكهة الثقة الى “مقصلة” الشكوك .. ومن الاستعجال الى التباطؤ .. ومن التواصل الى القطيعة …بدون أي مبرر !!

ثم بدأت مرحلة التخوفات تطل برأسها : حماس قوية ومسيطرة على قطاع غزة وانه مهما تمكنت الحكومة ستكون لها اليد الطولى ويمكن في لحظة – كما ادعى الرئيس- ان تنقلب على المصالحة!!.

وبدأ شيطان الانقسام ينهض من نومه ويستعيد عافيته ودوره من جديد!!

ثم جاءت  مرحلة تلبس السلطة بالكوابيس السياسية : المصالحة ما جاءت الا كتمهيد لصفقة القرن، وان مصر تريد فرض وصايتها على المصالحة، وان حماس تريد ان تتخلص من عبء حكم غزة وتلقيه في حضن ابو مازن، وانها تريد ان تتحول السلطة الى صراف الي لموظفيها …

سلسلة أوهام عقيمة وترهات فارغة نفثت السم في جسد المصالحة الغض.

وبرغم كل التطمينات التي قدمتها حماس لحركة فتح والسلطة الا ان (العفاريت) ظلت تؤز الحكومة وفتح أزا، وتذهب بها شياطين الانقسام بعيدا!!

السنوار- في موقف جريء- عرض على كل قوى المجتمع ان تكون شاهدا وحكما للفصل على من يعطل المصالحة، لكن فتح رفضت وتهربت، واسألوا الجبهة الشعبية عن ذلك .

ان كل الظنون والشكوك التي تقوم عليها ادعاءات السلطة ليس لها رصيد على الاطلاق.

حتى لو افترضنا انها ادعاءات صحيحة، فان الحل لا يكون بالقطيعة والتصريحات الهجومية والاحكام السوداوية، بل بالمواجهة على طاولة الحوار.

منذ من البدء في تنفيذ الاتفاق لم يكلف احد من قادة فتح نفسه زيارة غزة أو حتى التواصل والسؤال عن هذا (الوليد الخداج) الذي (أنجبناه) سوياً في القاهرة، وعما اذا كان يعاني من البرد والجوع والاهمال ويحتاج لمزيد من الرعاية.

حالة غير مفهومة من اللامبالاة .

خلال اتصالاتي، نقلت إلى عدد من قيادات فتح استغرابي من عدم سؤالهم او متابعتهم لهذا المولود الجديد، وكأنه ليس من صلبهم، وفضلوا ان يضعوا الحكومة في (بوز المدفع) .، وللأسف ان الحكومة – المفترض بها ان تنفذ ما يتفق عليه الطرفان -وقعت في الفخ واستمرأت الدور، وصارت تطالب بما ليس من حقها ان تطالب فيه، لانها مطالب تخضع للقرار السياسي بحسب نصوص الاتفاق.

ومع ذلك لم نغلق الباب أمام الحكومة، وقلنا “دعونا نجرب معها، ووضعنا امامها رزمة حلول حول العديد من القضايا مثل الجباية والقضاء والامن على طاولة الحوار، أحياناً لا يعطون جواباً، وأحياناً أخرى نفاجأ بقولهم” ان القرار سياسي وبيد الرئيس وحده !!

المضحك أن المفاوضات –بعد ذلك- صارت (لاسلكيا) عبر الواي فاي !!

رئيس الحكومة -من رام الله- صار ينادي على حماس (بالميكرفون)  : سلموا الامن … سلموا القضاء .. سلموا الجباية , وبعد خطاب الرئيس  تشجعوا أكثر: (على حماس ان تسلم القطاع من الباب للمحراب) !!

أي عبث هذا، وأي فوضى هذه، وأي خرق وحرق لاتفاقات المصالحة؟؟

الخلاصة : في السنوات الماضية لم اكن اتردد في توجيه النقد العلني لحماس على ترددها وتباطؤها في المصالحة, واليوم أقول -بكل ثقة وعن علم- ان كرة المصالحة في ملعب حركة فتح، وخصوصا الرئيس, وعليها ان تدرك ان (المناورة) لن تكون لصالحها، واذا كانت تتحدث عن مواجهة لصفقة القرن والضغوط الامريكية والعربية فان اول خطوة يجب ان تقررها هي (وضع يدها) بقوة في ملف المصالحة.

(3)  مسرحية التفجير!!

بداية قالوا انها (محاولة اغتيال قذرة) ..وانها (حادثة خطيرة)  ومنهم من طالب بلجنة تحقيق دولية وتعذروا بان حماس تتحمل المسئولية.

وحينما انتقلت الاجهزة الامنية للعمل -وبقدرة قادر- تغيرت اللغة من العربية الى السنسكريتية، وانقلب الامر برمته الى مسرحية سيئة الاخراج !!

أليس  من سذاجة التفكير والسطحية الموغلة في العبث الادعاء بان حماس (اخرجت مسرحية مكشوفة) في تفجير موكب رئيس الوزراء، كما ادعت الحكومة وبعض ناطقي حركة فتح ؟؟

الاسئلة البريئة: لماذا تريد حماس تفجير الموكب وهو بمثابة فشل للاجهزة الامنية التي نسقت لحماية الموكب بالتنسيق مع امن الرئيس وامن رئيس الوزراء؟ ولماذا تريد هدم الامن الذي بنته بنفسها؟ ولماذا تريد استجلاب غضب الناس عليها بلا مبرر؟؟ ولماذا تضحي باثنين من عناصر الامن وتعرض الاخرين لخطر الموت ؟

في اليوم الثاني كانت الاتهامات جاهزة، وسيل الهجوم الارعن لم يتوقف دون ادلة ولا براهين.

حتى الرئيس قال انه لا يريد تحقيقاً !!

الرئيس الذي لم يتهم اسرائيل بقتل الشهيد عرفات طوال 14 عاماً رغم كل الادلة الواضحة والفاضحة، لم يتردد في اتهام حماس بعد خمسة ايام !!

للأسف ان البعض انحدر الى مستوى غير مسبوق من التحريض وتعزيز الكراهية والانقسام الوطني، في وقت يقولون انهم يواجهون صلف الادارة الامريكية وصفقة القرن !!

كيف يمكن ان يواجهوا سياسات الادارة الامريكية المجنونة وهم يذبحون المصالحة ويئدون الوحدة الوطني، ويعمقون الانقسام ويخسرون شعبهم ؟!!

كيف يمكن أن ينجح الرئيس في صد الرعونة (الترامبية) وهو يريد ان يصوغ المجلس الوطني والمركزي بحسب مقاساته السياسية ويريد ان يحشر الجميع في مشروعه السياسي المحكوم عليه بالفشل ؟

أما آن للرئيس ان يتخذ قرارا جريئا , يكسب فيه احترام شعبه – بأن يعطي الاولوية للوحدة الوطنية وتصليب الموقف الوطني بدل هذه الشرذمة والفرقة القاتلة ؟؟

هذه مرحلة تتطلب ذوي العقول والضمائر الوطنية وليس اصحاب الاستعراضات الكلامية ..

لا تزال أمامنا فرصة لانقاذ الوطن والقضية عبر بوابة المصالحة والوحدة الوطنية، فلا تغلقوها .

لا تسدوا طريق الوحدة بحواجز الشك ومتاريس الاعلام المترع بالكراهية والتحريض ..

لا تقتلوا الامل في نفوس شعبكم المتعب بعد مسيرة عذاب امتدت سبعين عاماً ..

البث المباشر