أعاد التصعيد الأمريكي الأوروبي ضد موسكو على خلفية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال بغاز الأعصاب في بريطانيا خلال الشهر الحالي؛ التساؤل الأبرز حول مدى تطور الأزمة الحالية والوصول من خلالها إلى حرب باردة جديدة بين الدول الكبرى.
وبدأت حملة طرد الدبلوماسيين الروس الاثنين، حينما أعلنت الولايات المتحدة طردها 60 روسيا وإغلاق القنصلية الروسية في سياتل بسبب قضية سكريبال، ثم لحقت بها 14 دولة أوروبية بطرد دبلوماسيين روس بعد إعلان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أن قرار هذه الدول جاء بعد تأييدها لموقف بريطانيا في إلقاء اللوم على موسكو في تسميم الجاسوس الروسي السابق.
الخيارات الروسية
وحول خيارات رد موسكو، يقول المحلل السياسي الروسي يفغيني سيدروف: "ربما لن يكون سريعا"، مبينا أن "روسيا لن تسرع في اتخاذ الرد لعدة أسباب منها، أنها لا ترد بشكل سريع على أي خطوة تعتبر غير ودية تجاهها".
ويرجح سيدروف في حديث خاص لـ"عربي21"، أن "تتعامل روسيا مع هذه البلدان بالمثل، وتتخذ نفس القرارات تجاه الدولة التي أبعدت الدبلوماسيين الروس"، مستبعدا أن "تتطور الأزمة الحالية إلى قطيعة دبلوماسية كاملة، رغم أن التصعيد بين روسيا والدول الغربية لم يسبق له مثيل منذ فترة طويلة جدا".
ويعتبر المحلل الروسي أن "هذه الخطوات تندرج في إطار خطوات أخرى معادية لروسيا وترتبط بالتطورات في أوكرانيا وسوريا وفضيحة الاختراقات الحاسوبية أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية وبعض الدول الأخرى"، مؤكدا أنه "لو لم تكن مثل هذه الوقائع لما أقدمت الدول الغربية على هذا القرار، وربما اكتفت بإدانة روسيا واتهامها بمطاردة الجواسيس السابقين".
في المقابل، يرى المختص بالشأن الأوروبي حسام شاكر، أن "خيارات روسيا محدودة نسبيا"، موضحا أنها "في مواجهة مجموعة كبيرة من الدول، ومن الصعب أن تأخذ خطوات بحق الجميع، لأن ذلك سيعزز عزلتها ومأزقها الدبلوماسي".
خطوات انتقائية
ويتوقع شاكر في حديث خاص لـ"عربي21" أن "تتخذ روسيا بعض الخطوات الانتقائية تجاه دول معينة"، مشددا على أنه "من الصعب تخيل رد روسي مكافئ، بنفس المستوى من الإجراءات الدبلوماسية الواسعة التي جرت"، مضيفا أن "موسكو ستكون معنية باحتواء هذه الأزمة وعدم تصعيدها، لتصل إلى مستوى العقوبات".
وفي هذا الإطار، يتفق سيدروف مع المختص بالشأن الأوروبي بالقول إن "روسيا ستتجنب المزيد من التوتر"، لكنه أرجع ذلك لسبب بعيد عن السياسة قائلا: "موسكو تضع المونديال الروسي في حسبانها، وتعلم أن مزيدا من التصعيد في العلاقات مع الدول الغربية التي ستمثل منتخباتها القومية في المونديال لن يكون في مصلحة الجميع".
ويضيف سيدروف أن "روسيا سترحب بكل الضيوف والمشاركين باستثناء بريطانيا التي أعلنت أنها لن تشارك على المستوى الدبلوماسي"، معتقدا أن "مشاركة الدول الأخرى ربما تعمل على تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا التي ولدت التوترات بينها وبين موسكو".
أسفرت القرارات الأوروبية والأمريكية عن طرد أكثر من 109 دبلوماسيين روس من عدة دول، على رأسها الولايات المتحدة التي قررت طرد 60 دبلوماسيا روسيا.
وفيما يتعلق بإمكانية اندلاع حرب باردة جديدة، يستبعد المختص بالشأن الأوروبي شاكر، حدوثها في الوقت الراهن، بالرغم من تشابه المظاهر والأعراض، لافتا إلى أن "المرحلة الحالية تعتمد على الأزمة القائمة بين لندن وموسكو، إلى جانب التوترات الموضوعية بين بعض الدول وروسيا".
الحرب الباردة لم تنضج
ويؤكد شاكر أن "هناك مشكلات، لكنها لن ترقى لأن تكون حربا باردة، خاصة وأن مثل هذه الحرب ستكون تحت القيادة الأمريكية، وهذه القيادة الآن ليس واردا أن تكون هي قائدة المرحلة بالنسبة للأوروبيين تحديدا، والذين يشككون برشد القيادة الأمريكية في هذه المرحلة".
ويتابع شاكر قائلا: "بالتالي لم تنضج بعد شروط حرب باردة، وهناك تصعيد ربما ينفلت باتجاهات عدة، ولكنه لن يكون حربا باردة بالمفهوم الحالي"، منوها إلى أن "الأزمة ستأخذ وقتا لأنها مرتبطة بملفات محددة، وموسكو لن ترضخ لبريطانيا فيما يتعلق بقضية الاغتيال".
بينما يرى المحلل السياسي الروسي سيدروف أن "الحرب الباردة الحقيقة بدأت"، مستدركا قوله: "لكنها تتمثل في الحملات الإعلامية التي تشنها الدول الغربية على روسيا بسبب تسميم الجاسوس الروسي دون تقديم أي دلائل أو إثباتات".
ويشير سيدروف إلى أن "روسيا اقترحت على بريطانيا أن تتعاون معها للتحقيق والتحري في ملابسات هذه الحادثة للتوصل إلى حقيقة من كان متورطا فيها، لكن لندن رفضت هذا الاقتراح، وهذه خطوة غير ودية تجاه روسيا"، وفق رأيه.
ويعتقد شاكر أن "بريطانيا نجحت في حشد رد دبلوماسي من الأسرة الغربية ضد موسكو، وهذا عنصر قوة لها في هذه المرحلة التي تنفصل فيها عن الاتحاد الأوروبي وتنشغل بملفات داخلية وملفات الانفصال عن أوروبا الموحدة"، مؤكدا أنها "استطاعت تحريك الحلفاء الأوروبيين إلى جانب اغتنام بعض الإشكاليات القائمة بين بعض الدول وموسكو".
ويردف بقوله إن "الأزمة ربما تأخذ في حدتها أسابيع وشهورا، لكنها لن تكون تطورا مستداما، لأن الكل بحاجة للكل، ومن الصعب الحديث عن قطيعة".
الموقف الأمريكي
ويربط شاكر تصرف الأطراف بمآلات الموقف الأمريكي من موسكو، مشددا على أن "الكل معني بعدم الدفع باتجاه التصعيد والتوتر على طريقة الحرب الباردة، لكن الكل يدرك أيضا أنه كان لا بد من رد صارم وواضح ورسالة بليغة لإسماعها لموسكو بعد سلسلة من التطورات، التي تشعر بعض الدول أنها تنتهك سيادتها".
وحول مآلات التصعيد خلال الأيام القادمة، يقول سيدروف إننا "سنشهد المزيد من التوتر، ولكنه لن يتعدى الأطر الدبلوماسية والتصريحات والبيانات؛ أما مستقبلا على المدى المتوسط، فإن بعض الدول الغربية ستأتي إلى إجراء حوار بناء مع موسكو"، بحسب توقعه.
عربي 21