غزة تضيء ست ساعات فقط

العتمة الباردة.. رواية تتجدد فصولها في قطاع غزة

غزة _ أمل حبيب
لطالما علمنا بأن اللون الاسود يعطينا شعورا بالدفء والأمان لامتصاصه الحرارة, ولكن ظلمة غزة خرقت كل القواعد.. فسواد ليلها البارد ينخر أجساد الغزيين ولا يشعرهم سوى بالمصاب الجلل.
لم يبق سوى الأمل ضيفا على حكاية العتمة الباردة , وخصوصا ذاك البريق في عيون الصبية وهم يلعبون حول موقد النار في شوارع المخيمات الضيقة متسائلين بلغة الكبار: شو جدول الكهربا اليوم؟
أحدث تداعيات أزمة الكهرباء في القطاع هي توقف محطة التوليد عن العمل يوم الثلاثاء الماضي نتيجة نقص السولار المستخدم في عملية إنتاج التيار الكهربائي. المحطة توقفت عن العمل بسبب نقص إمدادات الوقود الواردة من مصر ونفاد المخزون لتشغيلها, ولكن.. بحث الغزيين عن الدفء والنور والماء والوقود والعلاج لم ينته , فصراعهم مع عتمة الأيام الباردة يزداد سوءا.
**حياة لست ساعات فقط
حياة لست ساعت فقط .. حينما تدور عجلتها لساعات معدودة فقط , عليك أن تنجز جميع أعمالك ومشاريعك خلال تلك السويعات وبقية اليوم تجلس "عطال بطال".
ولا يمكنك كانسان محاصر أن تبدي اي حالة تذمر أو استغراب حينما يزعجك صوت غسالة الجيران تدوي بعد منتصف الليل , وما عليك الا ان تردد : انا لله وانا اليه راجعون .
وبحسب المهندس جمال الدردساوي مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء بمحافظات غزة، فان الشركة بدأت بتنفيذ برنامج الطوارئ في كل مناطق القطاع ، موضحا بأن الكمية التي تمتلكها الشركة هي 30 % من الاحتياج الفعلي وأن العجز يصل إلى 70 % .
ما أجمل أن يعيش الانسان وفق نظام وجدول في حياته يخطط وينظم للمستقبل ولكن هل سمعت سابقا بجدول الكهرباء!
لا تقلق جدول الكهرباء في القطاع تم توزيعه على البيوت والمدارس والمستشفيات وجميع الغزييون يحفظونه عن ظهر قلب وهو ست ساعات عمل  مقابل 12 ساعة انقطاع.
في ليل غزة البارد عاد الناس لاستخدام أدوات قديمة لتسيير أمور حياتهم كانت في زمن أجدادنا الأصيل.. كضوء الكاز الذي ما أن يشعلوه حتى ينطفئ نوره بسرعة بسبب انقطاع الكاز أيضا.
وعند حلول المساء تحتضن الام الفلسطينية أطفالها لتمدهم من دفء حضنها لتعويضهم عن التدفئة الكهربائية المعدومة.
في غزة بدأت سيمفونية المولدات الكهربائية تتلاشى نوعا ما بعد أزمة الوقود , وأصبح صوتها حلما يراود المواطنين بعد أن كان مصدر ازعاج لهم.
أزمة الوقود ألقت بظلالها على شتى مناحي الحياة منذ حوالي شهر ومحطات التعبئة أغلقت أبوابها أمام  طوابير العربات والدراجات المتعطشة لسولار يبل ريقهم بعد حالة ظمأ وجفاف شديدتين .
من جهته حمل أحمد أبو العمرين مدير مركز معلومات الطاقة في غزة المسؤولية للجانب (الإسرائيلي) الذي يستمر في حصار غزة، وأشار إلى أن استخدام الوقود المورد من الجانب الإسرائيلي و"الذي يخضع لمزاجات الاحتلال لن يجدي في ظل ارتفاع تكلفته بأكثر من ثلاثة أضعاف، إضافة إلى المعاناة السابقة مع توريده .
وطالب أبو العمرين  السلطات المصرية بـ"الوقوف عند مسؤولياتها اتجاه ما يجري في القطاع والعمل على رفده بالوقود لإنهاء المشكلة واستئناف عمل المحطة".
وحينما نعود للعتمة التي تلف حياتنا في القطاع ...لا يوجد شيء أكثر سوادا وحلكة حينما نعلم أن 80% من مرضى القطاع مهددون بالموت بسبب انقطاع التيار الكهربائي .
وبين د. أشرف القدرة مدير العلاقات العامة والاعلام في الوزارة بأن هناك حوالي 404 من مرضى غسيل الكلى معرضون للموت المحقق؛ لأن الكهرباء جزء أصيل في علاجهم، بالإضافة إلى 100 طفل في الحضّانات مهددون بتوقف حياتهم".
وبعيدا عن الحلول الجذرية لازمة الكهرباء والتي تتضمن ربط القطاع بشبكة الربط الثمانية الممولة من بنك التنمية الإسلامي المحتاجة  لتوقيع الرئيس محمود عباس , تبقى النصيحة التي نقدمها لكم في نهاية تقريرنا الذي فاحت منه رائحة الحرمان وصار فيه وجه الغزي الشاحب هو السائد , لابد لك عزيزي القارئ أن تستمع الى أنشودة عبد الفتاح عوينات صامد.. صامد.. صامد يا دار.. صامد.. صامد رغم الحصار.

البث المباشر