قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: عباس ومجلس التصفية

صورة
صورة

مصطفى الصواف

واضح من خلال كلمة ابو مازن في المجلس (الوطني) أنها لم تكن بالمستوى السياسي الذي عليه محمود عباس، هذه الكلمة التي استمرت نحو ثلاث ساعات لم تحمل جديدا بل شملت تكرارا لكلمات سبق أن تحدث بها محمود عباس في مناسبات عدة وآخرها المجلس المركزي وأضاف إليها ما سماه مشروعه للسلام الذي تحدث به أمام مجلس الأمن.

المتابع للكلمة في هذه المناسبة الوطنية يرى فيها كثيرا من الخروج عن اللياقة واللباقة وتخللها الكثير من الهزار والخلط، الأمر الذي لا يليق بمن يرى في نفسه رئيسا لشعب عريق يستحق قيادة تليق به، استمعنا على مدى سنوات عمرنا للكثير من الرؤساء عربا أو عجما لم يهبطوا لهذا المستوى وكأنه والحضور يجلسون في مقهى على ناصية الطريق، لا يجلسون في مكان مسئول وبين جمهور يفترض أنه أرقى بكثير مما ظهر عليه.

حمل خطاب أبو مازن كثيرا من التكرار للمواقف وكثيرا من تزييف الحقائق والاتهامات سواء لخصمه السياسي حماس أو لموقف الرئيس المصري محمد مرسي ولموقف السعودية من القضية الفلسطينية في ظل سياسة محمد بن سلمان ووزير خارجيته وكثيرين ممن حوله.

عندما يتحدث عباس عن موقف حماس وقبولها بالدولة ذات الحدود المؤقتة كما يدعي هو يحاول ممارسة نوع من الاسقاط النفسي على الموقف السياسي الذي يؤمن به ويتهم فيه حماس بالموافقة عليه رغم أنه قال إن مشعل في أحد اللقاءات رفض موضوع الدولة ذات الحدود المؤقتة وهذا في حد ذاته تناقض مع نفسه، ثم إن عباس يبدو أنه لا يقرأ ولا يسمع ولا يشاهد ما تنادي به حماس منذ انطلاقتها وحتى قبل خطابه الأخير أن حماس ثابتة على موقفها من قضية فلسطين وهي تقول بالصوت العالي فلسطين كل فلسطين من البحر حتى النهر، وأنها لن تعترف بـ( (إسرائيل) وترفض شروط الرباعية وتقاتل الاحتلال بكل الادوات الممكنة تأسر الجنود وتطلق سراح الاسرى وتتصدى للاحتلال وتخطط لمزيد من الأسر كما حدث في عدوان 2014، تؤمن بقدرة الشعب على انجاز بعض أهدافه فتحركه بالتعاون مع بقية القوى في قطاع غزة في أكبر حدث تاريخي في حياة الشعب الفلسطيني عبر مسيرات العودة الكبرى وفك الحصار الذي يشارك فيه عباس مع الكيان على قطاع غزة.

عندما يفتري عباس على الرئيس المصري محمد مرسي ويقول إنه وافق على منح جزء من سيناء لإقامة دولة فلسطينية في غزة وهو الذي وقف سدا منيعا مع المقاومة في التصدي للعدوان الصهيوني 2012 وطالب بالوقف الفوري لهذا العدوان ما أجبر الاحتلال على وقف العدوان، ولو كان يريد منح جزء من سيناء لقطاع غزة لانتهز الفرصة السانحة لهزيمة المقاومة ودفعها نحو الاستسلام حتى يتم تنفيذ مشروع الاحتلال الصهيوني في إيجاد بديل لأرض فلسطين وترك فلسطين للاحتلال.

كان المفترض أن يتحدث محمود عباس عن رؤية سياسية واضحة تشمل طرقا للحل بعد انسداد مشروعه السياسي وفشله ولكن يبدو أن محمود عباس لا يملك رؤية ولا استراتيجية لحل القضية الفلسطينية وهو يجتر الماضي ويستحضره في الحاضر ويكرره مع كل خطاب مع بقاء الحال على ما هو عليه سياسيا وتدهورا على أرض الواقع بشكل دراماتيكي غير مسبوق، الاستيطان لم يبق من الضفة ما يحقق حلم عباس بحل الدولتين مشاريع التهويد للقدس على قدم وساق، تنسيق أمني على كل المستويات، العمل على تمرير صفقة القرن مع الحديث المتكرر لرفضها والفعل المؤيد لها على الارض وما يفعله بقطاع غزة دليل فعلي على تساوقه مع هذه الصفقة.

محمود عباس يجهز منظمة التمرير كي تمرر صفقة القرن من خلال مجلس يؤمن بأوسلو وبمخرجاته وينهي القضية الفلسطينية وفق الرؤية الصهيونية دويلة بلا سيادة وبلا قدس وبلا سلاح وبلا أمن وسيطرة على غور الأردن، دويلة لا هي دولة ولا هي حكم ذاتي كبير، ثم يريد عباس غزة من "الباب حتى المحراب"، و"من الألف حتى اليا"ء، و"فوق وتحت" حتى يكتمل مشروع التصفية للقضية وفق رؤية ترامب.

غزة يا محمود عباس التي أفشلت التوطين في سيناء من منتصف القرن الماضي لقادرة على استنهاض الشعب الفلسطيني كي يأخذ مكانه ودوره في التحرير والتمكين واسترداد الأرض، هذا الشعب الذي رفض المساومة على حقوقه وهو منهك لا اعتقد أنه يقبل هذه المساومة اليوم وهو أشد وعيا وتجذرا وتمسكا بكامل حقوقه.

البث المباشر