اقتصر خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على فقرة قصيرة، أشار خلالها إلى "إن بلاده ملتزمة بالوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن خطة سلام".
ولم يتطرق ترمب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73- كما كان متوقعاً- إلى شكل الآلية التي ستتبعها إدارته لتحقيق هذه الخطة المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن"، والتي يعكف على إعدادها فريق من مستشاريه منذ بدء ولايته الرئاسية في يناير 2017.
وكانت تقارير إعلامية قالت إن الرئيس الأمريكي سيعرض "ملامح" خطته لعملية التسوية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يحدث.
وعقب المحلل السياسي معاوية المصري على خطاب ترمب، بالقول "إن اختصار ترمب للقضية الفلسطينية في خطابه بجملة وحيدة، نابع من تقصده تجاهل الحملة الحاصلة من التنبؤات والتحليلات لمضمونها والتحريض الفلسطيني عليها"، عاداً أن "الطبخة" لا يعرف تفاصيلها إلا أطراف عربية معينة منها مصر والإمارات.
ولم يستبعد المصري في حديثه لـ"الرسالة" أن يكون رئيس السلطة محمود عباس، أحد أهم ركائز تمرير هذه الصفقة، والتي من أهم فصول تنفيذها أن يظهر بمظهر الرافض لها، متسائلا: "كيف لرئيس يدعي رفضه لصفقة مشبوهة، يقوم بأفعال أكثر شبهة ضد شعبه، من خلال فرض مزيد من الإجراءت العقابية على غزة وتشديد الحصار!؟.
ولم يبد المصري أي استهجان من استعداد عباس لخوض مفاوضات جديدة بعد ما حسمت أمريكا أمرها من إعلان القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، لافتاً أن "سلطة فتح" تتنفس مفاوضات ولا يمكن أن تغادر هذا النهج الذي اضاع القضية ومزق الأرض الفلسطينية.
وكان عباس أعلن الجمعة الماضي استعداده لمفاوضات سرية أو علنية مع (إسرائيل)، مشدداً على أن سلطته لم ترفض المفاوضات يوماً، بل كان الرفض من رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو".
وبخطاب ترمب وتجاهله لذكر تفاصيل صفقته، يكون قد أفسد الكم الهائل من التحشيد والدعاية التي بثها مؤيدو عباس لخطابه في الأمم المتحدة، والترويج أنه ذاهب إلى معركة أممية، في ظاهرها التصدي لخطة ترمب، في حين أن مضمونها مجرد "خطاب مكرر".
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، أن خطاب عباس لن يأتي بأي جديد، وسوف يشبه خطاباته السابقة على مدار السنوات الماضية، مشيراً إلى أن مظلومية وحقوق الشعب الفلسطيني واضحة لدي الأمم المتحدة وليست بحاجة إلى الشرح مجدداً.
وذكر الغريب لـ"الرسالة" أن المطلوب من العالم اليوم أن يدرك خطورة ما يمر به الشعب الفلسطيني بفعل مواصلة جرائم الاحتلال من جانب، ومن إجراءات عقابية تفرضها "سلطة فتح" على قطاع غزة، من جانب آخر.
وأكد أن عباس لا يجرؤ على مهاجمة ترمب وخطته، معللاً بأن "عباس متورط بشكل أساسي في صفقة القرن، فهو يرفضها كلامياً، لكنه ينفذها عملياً على أرض الواقع، من خلال حصاره لقطاع غزة".
وحذر الغريب من أن عدم المواجهة الحقيقية لخطة ترمب من قبل عباس، وعدم رفعه للعقوبات عن غزة " سيدفع بالتأكيد باتجاه التنفيذ العملي والحقيقي لصفقة القرن بانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية".
ويرى الغريب أن عباس ذاهب إلى الأمم المتحدة ضعيف، ولا يحظى بالتمثيل الفلسطيني الكامل، لافتاً إلى أن ذهابه على هذا النحو بـ"شرعية منقوصة" تجعل من صورته مهزوزة أمام العالم.
وتوقع الغريب أن يطغى على خطاب عباس "العاطفة والاستجداء"، منبهاً إلى أن العوامل سالفة الذكر ستكون سببا في إظهار الصورة العامة لضعف موقف عباس أمام الأمم المتحدة.
وأوضح الغريب أن الأهم من كل ذلك، هو المسألة المرتبطة بقرارات عباس المتعلقة بالاحتلال، مبيناً أن عباس كان يلوح في خطاباته السابقة، ولاسيما في الدورة السبعين للأمم المتحدة التي عقدت عام2015، بأنه سيتخذ إجراءات عملية بحق الاحتلال ومنها أنه سيترك الضفة للاحتلال ليتحمل مسئولياته وسينزع الاعتراف بالاحتلال ويوقف التنسيق الأمني، وكل هذا لم يطبقه.
وقال الغريب، خطابات عباس الرنانة تعكس عدم جدية حقيقية وتدلل على المراوغة والمماطلة مع الاستمرار في النهج التفاوضي الفاشل مع الاحتلال الإسرائيلي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عباس سيظهر في صورة الشخصية المتناقضة حينما يطالب بحقوق الفلسطينيين بينما يحاصر ويفرض عقوبات في قطاع غزة"، وفق تعبيره.