قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: الشهيد "شخصة" رحل قبل أن ينهي لعمته دروس الهندسة المعمارية

صورة من وداع الشهيد شخصة
صورة من وداع الشهيد شخصة

غزة - رشا فرحات

" الدرس انتهى، لِمّوا الكراريس، بالدم اللي على ورقهم سال، في قصر الأمم المتحدة، مسابقة لرسوم الأطفال، إيه رأيك في البُقع الحمرا، يا ضمير العالم يا عزيزي، دي لِطفلة مصرية سمرا، كانت من أشهر تلاميذي ".

أجل يذكرنا رحيل محمد شخصة بالطفلة المصرية السمرا التي كتب عنها الشاعر المصري صلاح جاهين، والتي رحلت في مجزرة على يد قوات الاحتلال، قبل أن تكمل الدرس الأخير.

وهذا ما حدث بالفعل مع محمد، الذي وعد عمته "مها"، أن يعود ليكمل لها شرحا في الهندسة المعمارية ولكنه لم يعد.

إلى هناك توجهنا، إلى الشجاعية من جديد، إلى الحي الذي تحمل كيل الهم بكل أشكاله، الذي لا تغيب ذكراه عن عيون العالم منذ حرب 2014، حيث البيوت التي ورثت الأوجاع حجرا عن حجر، وتفوح جدرانها بروائح الشهداء وهمس أحبتهم لهم بالدعاء ليلا.

وإلى حارة الطواحين تحديدا، إلى بيت عائلة شخصة، التي تودع شخصا غير عادي، وتودع معه أحلاما مفتولة العضلات، قوية كانت كقوة أمه التي تجلس الآن بعد عودتها من تشييعه في زاوية مجلس النساء وتلف الشال على صدرها لتكتم أوجاعه، فبالأمس كانت تحاول وسعها أن تقنع محمد ابنها بأن تخطب له، وتزوجه في البيت الجديد الذي بناه له والده، ولكنه كان يردد بيقين تام:" لن اتزوج إلا من الحور العين".

ولم تكن تلك أمنية أم محمد فحسب، بل كانت أمنية ثماني عمات وأربع خالات التففن حولها وتحدثن الواحدة تلو الأخرى عن محمد بدون انتهاء، طالب الهندسة المعمارية النجيب الذي طالما أبهر العائلة والذي قالت عنه عمته أم نضال: لن يأتي مثل محمد، ببره وحبه للعائلة، لن يأتي مثله في طاعته لوالديه وجداته، هو فعلا خيرة شباب الحي واختاره الله لأنه يعرف عشاقه المتشوقين لرؤيته.

في يوم الجمعة وبعد صلاة العصر تناول محمد طعام الغداء مع جدته وأمه وعمته "مها" شريكته في مقاعد الدراسة، حيث تدرس الهندسة المعمارية مثله في الجامعة، وبعد أن أتم غداءه جلس إلى جانبها يشرح لها بعض الدروس كما تقول:" كان يقول لي: سأجعل الهندسة المعمارية أسهل ما يمكن، وسأكون معلمك حتى تتخرجي".

كانت مها حزينة وهي تتكلم، تضم بين يديها باقة من الأزهار لتضعها على جسد محمد المسجى، وعيناها تتأملان الحضور، تصدق ولا تصدق، بالأمس غادرها محمد تاركا درسا في الهندسة لم ينته، ووعدها بأن يعود ليكمل شرحه ولم يعد.

أجل خرج محمد مع صحبته، إلى "ملكة" مقبلا غير مدبر، بملء جسده وروحه على السياج الفاصل حينما باغتته رصاصة متفجرة أصابت رأسه فاستشهد على الفور.

ويبدو أن هذا الشاب المسجى كان "مرضيّا"، فملامح الصبر التي يمكنك رؤيتها على ملامح أبويه مختلطة بابتسامة فخر تعكس هذا الرضى، فهذا شاب جميل المحيا، حافظ للقرآن يحلق بهما عاليا إلى الجنان كما كان يحلم ويردد دوما: " أنا يمه حخليكي تفخري فيا، ادعيلي أتزوج من الحور العين".

وفي نظرة أخرى على وجه عمته أم علي التي تكفكف دمعها تقول: "كان بارا فينا كلنا، كلمنا كلنا قبل يوم من استشهاده، كنا متوقعين، لأنه لا بفوت جمعة من مسيرات العودة، الله يرحمه".

أما عمه فقد كان فخورا بمحمد قائلا أمام كاميرات الصحافيين: إنسان بمعنى الكلمة، يعشق الوطن ويحب دراسته ودينه، معلم للأطفال في المساجد، مشارك في خدمة الناس مساعد لوالده المهندس في البلدية، حيث كان دائما في خدمة والده بارا به.

وعن خبر استشهاده يضيف عمه: لقد تلقيت الخبر مصدوما مكلوما، وركضت إلى المستشفى لرؤيته فقد كان محمد ولدا من أولادي وما زلت حتى اللحظة لا اصدق بانه رحل وتركنا.

واستشهد يوم الجمعة الماضي سبعة مواطنين بينهم طفلان، كان محمد شخصة واحدا منهم بينما أصيب 506 آخرين، جراء قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسيرات السلمية شرق مدينة غزة ومخيم البريج وسط قطاع غزة، ومدينة خان يونس جنوب القطاع.

وباستشهاد المواطنين السبعة، ترتفع حصيلة الشهداء في غزة منذ بداية مسيرات العودة في 30 آذار الماضي إلى 193 شهيداً.

البث المباشر