لقد أصبح الافتراء والظلم والحسد والعداوات الشخصية بين بعض الناس من الأمور المستشرية التي تبعث على الكراهية بينهم , فإن أصعب ما يتعرض له الإنسان أن يُتَهم بشيء هو منه بريء , مما يجعله يشعر بالضيق والألم والحزن , أما المفتري الظالم الذي يفتعل هذه الأفعال المنكرة والذي يعتبرها إرضاءً لنزواته وشهواته ليغيظ خصومه الأبرياء ويشهر بهم فيجعله الله يشعر بالتعاسة جزاءً على افتراءه وظلمه .
لذا فإنني في مقالي هذا سأتناول موضوعاً مهماً كثر تناقله وتأويله بين بعض الناس , وهو الافتراء على الأبرياء الذي يُعد جريمة نكراء , وخطيئة عظيمة سوداء , ما أنزل الله بها من سلطان , فيقعون في مُنزلَق عميق وخطير بسبب الظن السيئ الآثم والغيبة النكراء ، والبهتان المبين ، فإن اتهام الأبرياء بالتهم الباطلة والتسرع في الحكم عليهم وخلق قضية باطلة لا أصل لها لإيذائهم ، والتخمين ورمي المؤمنين بما لم يعملوا ، وبهتانهم بما لم يفعلوا , فجزاء ذلك عاقبة خطيرة في الدنيا والآخرة , حيث قال رب العزة في سورة الأحزاب : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانً وَإِثْمًا مُّبِينًا }
إن الله سبحانه وتعالى نزع صفة الإيمان من أولئك الظالمين المفترين ووصفهم بالكاذبين لقوله تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } , فإن ما يقود المفترين إلى الافتراء هو سوء الظن والكراهية العمياء من آفات النفوس المريضة التي هدمت كثيراً من البيوت العامرة , وشتت شمل كثيراً من الأسر , وفرقت بين الأزواج والأبناء , وباعدت بين الأحبة , وأي ظلم أعظم وأسوأ من أن يرحل إنسان عن بلده ويترك زوجته وأبنائه بسبب الافتراء والبهتان وظلم الأبرياء وسوء الظن بهم .
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالصبر والثبات على ظلم الظالمين والمفترين , فإن التثبيت والثبات في زماننا هذا أعظم صبر , وأشد أهمية وحاجة لما نمر به من ألم وحزن وحسد واتهامات باطلة وافتراءات وأخبار كاذبة يتم تناقلها هنا وهنالك وعبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف مسمياتها , فذلك يجعل الإنسان المظلوم والمُفترَى عليه أن يتحلى بالصبر والثبات .
إن معظم ما يجعل بعض الناس يقعون في هذا المنزلق الخطير هو التسرع في الحكم واتهام الأبرياء وإطلاق العنان للظنون السيئة , فذلك لا يجوز في إسلامنا الحنيف , فعلى اولئك الناس أن يتحروا في استقبال الأخبار الكاذبة وعدم تصديقها حتى لا تقع موقع يتهمون فيه مخلصين أبرياء وأنقياء قلوبهم بيضاء .
فعلى المسلم أن لا يظن الظنون السيئة الآثمة بأخيه المسلم , وأن لا يتسرع في الاتهامات الباطلة للأبرياء ومن ثم رميهم بما لا يعلمون , فإذا سمع المسلم عن أخيه المسلم شيئاً عليه أن يحسن الظن به , وأن لا يتهمه بالاتهامات الباطلة ويطلق عليه الظنون والشكوك , بل وجب عليه أن يصد المتكلم الذي ينقل الأخبار الكاذبة , وأن لا يتمادى معه بالافتراءات الظالمة , فذلك من أجمل الصفات والقواعد والسمات التي يتم التعامل من خلالها لبطلان ما وصل إليه من معلومات وأخبار كاذبة .
وعلى ضوء ذلك فلنقتدي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال محذراً من هذا الافتراء الخطير { من رمى مؤمناً بشيء يريد به شينة حبسه الله تعالى على جسر جهنم } فأي عقوبة هذه التي تنتظر هؤلاء الأشخاص الذين يتجرأون على الناس بالظلم ويقذفونهم ويفترون عليهم بالأكاذيب الباطلة ؟!