تنافس مسؤولون ونخب صهيونية على مهاجمة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته المتمركزة شمال شرق سوريا، حيث تحسبوا لتأثيراته الخطيرة على مصالح (تل أبيب).
ومن الملاحظ أن هناك إجماعا صهيونيا على أن أخطر تداعيات القرار الأمريكي على الأمن "القومي" الصهيوني يتمثل في تفكيك قاعدة "التنف" الأمريكية التي تقع على الحدود العراقية السورية الفلسطينية، على اعتبار أن هذه الخطوة ستمكن إيران من تدشين الممر البري الذي يربطها بحوض البحر الأبيض المتوسط، ما يعني توفير بيئة تسمح لإيران بتعزيز وجودها في سوريا.
ويخشى الصهاينة أن يفضي القرار الأمريكي ليس فقط إلى تحسين قدرة إيران على التمركز داخل سوريا، بل سيحسن من قدرتها أيضا على تزويد السلاح والعتاد المتطور إلى حزب الله.
ولا خلاف في (تل أبيب) على أن القرار الأمريكي سيقلص من قدرة جيش الاحتلال على إحباط التمركز الإيراني في سوريا، وهو ما يعني أن قدرة (تل أبيب) على تحقيق مصالحها ستتراجع إلى حد كبير.
وكان لافتا ما قاله تسفي هاوزر، السكرتير السابق للحكومة الإسرائيلية والقيادي في حزب الليكود الحاكم من أن القرار الأمريكي يمثل إنجازا إستراتيجيا كبيرا لكل من إيران وتركيا وسيغير الفضاء الإستراتيجي لـ(إسرائيل) "بصورة كارثية"؛ حيث توقع أن يشجع قرار ترامب إيران على أن تشترط انسحابها من سوريا بانسحاب (إسرائيل) من هضبة الجولان.
ويبدو أن (إسرائيل) معنية بالوجود العسكري الأمريكي في سوريا على اعتبار أنه يمثل "ثقلا موازيا" للوجود العسكري الروسي، علاوة على أنه يسهم في ردع إيران عن التمركز هناك وسيمهد لتحويل سوريا إلى قاعدة لجهات تتخذ مواقف معادية من (تل أبيب).
وتحذر النخبة الصهيونية من أن القرار الأمريكي يعني التخلي عن حلفاء واشنطن من الأكراد وتركهم لمصيرهم في مواجهة كل من الأتراك والإيرانيين ونظام الأسد وهذا سيردع كل الأطراف في المنطقة عن الاستنفار لمساعدة الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها، حيث تعتبر أن هذه النتيجة ستكون سيئة لـ(إسرائيل) أيضا. ويشير المراقبون في (تل أبيب) إلى أن انهيار الوجود الكردي في شمال شرق سوريا يعني إفساح المجال أمام إيران وتركيا لتكريس وقائع على الأرض، بما يتناقض مع مصالح (تل أبيب) وواشنطن.
وقد عدت النخب الصهيونية القرار الأمريكي "إذعانا" لتركيا، حيث أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية لم ترد أن تواجه تركيا التي قررت تنفيذ عملية عسكرية واسعة شمال شرق سوريا ضد المليشيات الكردية. ومما يثير حنق النخبة الصهيونية حقيقة أن ترامب قد اتخذ قراره بعد اتصال الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بترامب الأسبوع الماضي الذي لعب دورا رئيسا في تعجيل اتخاذ القرار بالانسحاب، حيث استهجنوا أن تخضع قوة عظمى لابتزاز دولة أخرى لا تضاهيها من حيث القوة العسكرية، كما قال أحد المعلقين الصهاينة.
ولم يفت بعض النخب من تذكير نظم الحكم العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة أن الانسحاب الأمريكي من سوريا يمثل أخبارا سيئة لها، لأنه يدلل على أنه لا يجدر الرهان على التحالف مع واشنطن.
لكن في مواجهة هذا الواقع، فإن بعض النخب الصهيونية قد دعت ترامب لكي يحاول إقناع دول عربية من تجنيد قوة للتمركز في المناطق التي كانت تتواجد فيها القوات الأمريكية من أجل الحيلولة دون تحقق المخاطر المتوقعة عن قرار الانسحاب الأمريكي.
وقد خلصت بعض النخب إلى الاستنتاج أن خطوة ترامب هذه تزيد من أهمية تعزيز الشراكات مع الدول العربية "المعتدلة" ودول حوض البحر المتوسط، سيما قبرص واليونان.
ويذكر أن كلا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان ورئيس هيئة الأركان جادي إيزنكوت ورئيس الموساد يوسي كوهين قد بذلوا جهودا كبيرة من أجل إقناع الأمريكيين بعدم الانسحاب من سوريا على اعتبار أن هذه الخطوة تمس بمصالح (إسرائيل) بشكل كبير.