في حسبة السمك بميناء مدينة غزة، يلفت انتباهك اصطفاف ما أخرجه الصيادون منذ ساعات الصباح الأولى من أسماك قسمت لرزقهم بعد رحلةٍ صيدٍ شاقة تستمر منذ غروب الشمس وحتى صبيحة اليوم التالي، استعدادًا لبيعها على (الدلال) لأكثر سعر يدفعه التجار.
بعد المنع (الإسرائيلي) الذي استمر لقرابة أسبوع، أبحر عدد كبير من الصيادين داخل مسافة الـ 10 أميال التي سمح الاحتلال بإعادة الصيد بداخلها، إلا أن الرحلة الأولى التي ظن أصحاب القوارب أنها ستكلل برزق وافر، أتت بما لا تشتهيه سفنهم إذ اقتصر معظم الصيد على بذرة السردين رخيصة الثمن بينما تغيبت الأسماك الكبيرة.
كان المشهد محزنًا الأربعاء الماضي في الميناء، فالصياد الذي يحزنه صيده الشحيح يواسي نفسه بأن الرزق تقسم هكذا على جميع الصيادين لتواسيهم مقولة (الموت مع الجماعة رحمه)، بينما يرقب المواطنين والتجار ما يخرج من الماء بيأس إذ أن شح الأسماك الكبيرة جعل من أسعارها مرتفع جدًا قد يتضاعف عن سعره الطبيعي.
يحمل الصياد أحمد العاصي، مسؤولية شح الأسماك للصيد الجائر الذي يمارسه 4 آلاف بالمساحة القليلة التي يفرضها الاحتلال داخل بحر غزة، ويقول "للرسالة"، إن "هذه الأسماك لم يكن صيدها في الحسبان لولا الفقر الشح والعوز الذي يعيشه الصياد نتيجة ممارسات الاحتلال وحصاره على قطاع غزة".
ويضيف أنه " في يمارس مهنة الصيد في بحر غزة منذ 50 عامًا، ولم يرى خلالها صيد الأسماك الصغيرة وبذرة الأسماك بهذا الشكل، إذ أن الثروة السمكية في قطاع غزة انحسرت على البذرة وفق الأسماك، الأمر الذي ألحق به خسائر فادحة". كاشفًا أن قاربه مدين لثمن السولار 40.000 شيكل، ولا يستطع سداد أيٍ منها".
واثناء حديثنا مع الصياد العاصي، أقتحم الصياد أبو محمد الحديث، "إذ أوضح انه هذه الأسماك الصغيرة التي يصطادها الصيادون دون رحمة، لو تركت فإنها في موسم "التشرين" ستغدو أسماكًا كبيرة ووافرة".
وقال أبو أحمد "للرسالة"، "إن الصياد يجد نفسه مجبرًا على صيد هذه الأسماك الممنوع صصيدها في القانون الفلسطيني، نتيجة قلة الرزق، وعدم تنظيم صيد الأسماك من قبل الجهات المسؤولة، إذ أن معظم القوارب الكبيرة تستخدم شباك صيد يضيق أعينها عن الـ 10 ملم، ما يجعلها تفترس الثروة السمكية بسهولة".
وعن الحلول أوضح صاحب الـ 65 عامًا، أن الحل الأفضل على الأقل خلال هذه الأيام التي تمثل موسم لتكاثر الأسماك، أن يتم تعويض الصيادين ببطالة أو فرصة عمل مؤقتة تستمر لثلاث شهور يمنعوا خلالها من الصيد، ما سيجعل الأسماك تتكاثر بشكلٍ ملحوظ.
وفي ذات السياق أكد نزار الوحيدي، المدير العام للإرشاد والتنمية لوزارة الزراعة سابقًا، أن صيد هذه الأسماك الصغيرة، يضر بثروة السمكية ويؤدي إلى تدهور مخزون البحر المتوسط من أسماك السردين خاصة ومن بعض الأسماك.
وبين الوحيدي، أن هناك اعتقاد خاطئ بان هذه الأسماك لا تكبر، وان هذا حجمها النهائي، وقال إن "هذا الاعتقاد خاطئ وغير صحيح، فما يتم اصطياده في الغالب يرقات أبو بذور أو المسماة اصطلاحًا زريعة "الأسماك".
ونوه، أن هذه الأسماك يصعب تنظفيها كونها صغيرة جدًا ولم تصل إلى الحد الذي يجيز استهلاكها كغذاء، ما يبقي اجزاءً من أمعائها والمخلفات الضارة بصحة الإنسان. داعيًا إلى رفع التوعية عن المواطن لعدم شراءها وتناولها، ما سيجعل البحارة يتوقفوا عن اصطيادها، محذراً من أن بحر غزة اقترب من الوصول إلى التصحر نتيجة الصيد الجائر المستمر يوميا.