رامي خريس
في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر وفي أجواء هادئة مريحة بدأت جولة المفاوضات الجديدة بين قادة سلطة فتح ومسؤولو حكومة الاحتلال وجهاً لوجه وبدون أي حواجز تفصل بينهم ، قبل أن ينتقلوا إلى جولة أخرى في مدينة القدس المحتلة .
ومن المتوقع أن تتبع هاتان الجولتان جولات وجولات بدون التوصل إلى اتفاق لتسوية جديدة كما حصل في اتفاق أوسلو الذي قيل في حينه انه اتفاق لإعلان المبادئ ، سيقود في النهاية إلى دولة بعد حصول فتح عام 1994م.على سلطة في غزة وأريحا .
فالحديث حالياً يدور حول التوصل لاتفاق لما يسمونه بقضايا الحل الدائم والمقصود منه إغلاق ملف القضية بشكل كامل ، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في الظروف الحالية بالرغم من التنازلات المتوقعة من سلطة فتح ورئيسها محمود عباس ، فالضعف الذي ينتاب هذه السلطة التي تدير الضفة الغربية والشرعية المفقودة لا تؤهلها للتوقيع على أي اتفاقية فضلاً عن إمكانيتها للتطبيق ، ومما يثير الغرابة أن المفاوضون من سلطة فتح لا يعرفون هدفهم النهائي كما يقول باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس الذي استحضر من ذاكرته أسطورة "سيزيف" الإغريقية الذي تعرض لعذاب متكرر، لكنه على الأقل –بحسب بونيفاس- كان يرى هدفه: قمة الجبل حيث يتعين عليه أن يرفع الصخرة، حتى إذا بلغ القمة تدحرجت الصخرة إلى الوادي، فيعود إلى رفعها من جديد.
وتبدو المفاوضات تلك عبثية – كما تقول فصائل المقاومة- لأنها غير متكافئة لاسيما بعدما ألقت "فتح" بندقيتها ، وهنا يستحضر بعض المراقبين المفاوضات التي جرت بين الولايات المتحدة وقوات الفيتكونغ في جنوب فيتنام خلال الحرب الفيتنامية في ستينات ومطالع سبعينات القرن الماضي، يومها رفض الجنرال جياب وزير دفاع فيتنام الشمالية وقف النار تزامناً مع بدء المفاوضات، لأنه لا يريد منح الولايات المتحدة فرصاً للمناورة والتقاط الأنفاس، وأصر على المفاوضات تحت النار، فيما كانت قواته تتقدم باتجاه سايغون غير آبه بجبروت الولايات المتحدة وقدرتها التدميرية، مشترطاً انسحاباً من دون قيد أو شرط، وهو ما رضخت له الولايات المتحدة في نهاية المطاف .
لكن هناك على ما يبدو وسيلة بيد مفاوضو سلطة فتح تتمثل بالاستجداء ومحاولة إقناع حكومة الاحتلال بإعطائهم أي شيء مقابل الاستمرار في تحقيق الأمن، وهذا عملياً لا يعتبر تفاوضاُ كما يصفه دائماً صاحب كتاب الحياة مفاوضات ، فتجربة السلطة كما يقول الكاتب خيري منصور"واحدة من تلك التجارب التفاوضية النادرة في التاريخ، حيث هناك من يجلس إلى الطاولة متكئاً على بندقية مقابل من يجلس أعزل إلا من التعويل على ما يجود به الخصم بعد أن حقق فائضاً من الانتصارات والغنائم وبلغ حد “التخمة”.
وبحسب منصور فإن الرهان من الأعزل على المدجج بالأسلحة بدءاً من المسدس حتى الجعبة النووية، لا يمكن لعاقل أن ينتظر منه الفوز،مشيراً إلى أن المسألة الآن تجاوزت الاختلاف في وجهات النظر إلى التناقض التام والحاسم، ما دامت "الأقانيم" الأساسية لهذا التفاوض غير قابلة للمسّ بها، وهي من الثوابت الصهيونية المقدسة، بدءاً من تهويد القدس، وحتى تهويد الدولة كلّها، وهذا ما يعرّض من تبقى من الفلسطينيين على أرضهم لترانسفير يخلعهم من الجذور.
وهكذا فإن من يدخل المفاوضات في مثل هذه الحال، كأنما يدور في ساقية بدون أن يضخ قطرة ماء واحدة بل يخرج بمزيد من خيبات الأمل، التي تضاف إلى الخسائر التي تحققت منذ توقيع اتفاق أوسلو.