في يوم الثاني عشر من أغسطس لعام 2018 وقف شقيق الشهيد جبر الأخرس أمام مؤسسة أسر الشهداء والجرحى مضربا، ومحاولا مع مجموعة من أهالي الشهداء اغلاق المؤسسة ومنع الموظفين من الدخول رفضا للتغيير في أسماء كشوفات الحج والعمرة الخاصة بمكرمة أهالي الشهداء، من قبل مستشار الرئيس للشئون الدينية محمود الهباش.
التغيير تمثل بإرسال الهباش كشفا من 104 اسما جديدا، لم يكن بعضها من أهالي الشهداء، وشمل عددا من أفراد عائلته.
الأخرس الذي احتج في ذلك الحين قال أن المؤسسة هاتفت عائلته وطلبت جوازات السفر ورسوم 1500 شيكل ثم هاتفتهم مرة أخرى بعد أيام وطلبوا منه العودة إلى مقر المؤسسة ليأخذ ماله وجوازات سفره لأنه ببساطة قد تم تأجيل سفره ووالدته بسبب سحب أسمائهم من المنحة.
وأضاف: أصيبت أمي بانهيار لأن اسمها سحب من كشف أهالي الشهداء مع أن أخي شهيد منذ عام 2006 وقد هاتفنا مكتب الهباش لأننا سمعنا أنه المسؤول عما حدث، وأخبرونا أن التغيير قد حصل من غزة.
وحمّل الناطق باسم اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى علاء البراوي في ذلك الوقت الهباش، المسؤولية عن استبدال 104 أسماء من المكرمة الملكية لأهالي الشهداء في القطاع بآخرين بعضهم ليس من أهالي الشهداء، مشددًا على رفض الأهالي ولجنته تلك الإجراءات.
من المسؤول؟
الخلل الذي أصاب مكرمة أهالي الشهداء للحج العام الماضي، ومع قرب موسم الحج هذا العام، دفع معدة التحقيق للتواصل مع علاء البراوي المتحدث باسم مؤسسة أسر الشهداء الذي رفض الحديث عن المنحة السابقة، مشددا على أن أهالي الشهداء الذين استثنوا من المنحة ستضاف أسماؤهم إلى المنحة القادمة.
وأكد البراوي أن الأسماء الجديدة التي أضيفت إلى الكشف العام الماضي كانت تضم أسماء من عائلة الهباش وكان ذلك الأمر لافتا للنظر.
ونوه الى أن الهباش لم يتراجع عن قراره رغم مطالبات أهالي الشهداء واعتصامهم، واقتحامهم للمؤسسة ومنعهم الموظفين من الدخول للمقر؛ احتجاجًا على ما قالوا إنه "تلاعب مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش بأسمائهم في كشوفات الحج لعام 2018.
وعلى الرغم من أن المنحة المقدمة لذوي الشهداء يجب أن تكون خطا أحمرا لا يخضع لأي تلاعب لأنها تتعلق بعائلات الشهداء وآبائهم، وبالتزامن الضجة الإعلامية التي حدثت في ذلك الوقت إلا أن ذلك لم يمنع الهباش من الاستمرار في تغيير الكشوفات، ما يدل على أن غياب الرقابة الحقيقية على اختيار الأسماء.
وبناء على التغيير في كشوفات الحج تمت إحالة محمد النحال" أبو جودة" رئيس مؤسسة أسر الشهداء والجرحى بعد رفضه القبول بتغيير الأسماء للتقاعد/ قائلا: تم إرسال كشف أسماء جديد لم يكن موقع من الرئيس محمود عباس ولا يعلم به، وبالتالي رفضته.
النحال: أحلت للتقاعد بسبب هذا الملف
وأضاف النحال خلال حديثه لإذاعة القدس المحلية: عندما رفضت اعتماد الأسماء، دخل الهباش إلى الرئيس ووقع عليها ثم أدخلت الملفات.
وتابع: أحلت للتقاعد بسبب هذا الملف لاعتراضي على نوايا الهباش بخلق مشكلة حقيقية خاصة أنه لا يجوز أن يتم إرسال كشف بنفس اليوم الذي نريد أن نرسل فيه الجوازات للحصول على تأشيرة".
وردا على حديث النحال فقد أكدت رئيسة مؤسسة رعاية اسر الشهداء والجرحى في منظمة التحرير الفلسطينية انتصار الوزير أن النحال أخطأ في طريقة ادارته لملف الحجاج، حيث أنه أضاف 170 اسما عن العدد المطلوب.
وأكدت الوزير أن محمود الهباش مخول بتفويض من الرئيس محمود عباس بمتابعة ملف حجاج المكرمة ولا يحق للنحال أن يرفض قرارته أو يعترض عليها.
آلية الاختيار
وتُقدّم المملكة العربية السعودية كل عام مكرمة حج لألف من ذوي الشهداء، وتقسّم بالمناصفة بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، ويتم اختيار أهالي الشهداء للحج بناء على تاريخ استشهاد أبنائهم.
النحال المدير السابق لمؤسسة أسر الشهداء والجرحى قال إن المؤسسة تشرف على مكرمة خادم الحرمين الشريفين التي تقلصت عام 2011 إلى ألف شخص فقط، يستفيد منها 700 من أسر الشهداء و300 من الأسرى المحررين حسب معايير لها علاقة بوزارة الأسرى.
بعد قرابة عام على الحادثة عادت "الرسالة" للحديث مع النحال، الا أنه رفض التطرق للأمر، نظرا لأنه لم يعد مؤهل للخوض في هذه الموضوعات كما قال، وأضاف "وزارة الأوقاف هي الجهة الوحيدة المسئولة عن كل ما يتعلق بموسم الحج وحجاج مكرمة الشهداء كما جرى العرف في السنوات الماضية".
لكن النحال كان قد أكد في حديث سابق أن ترتيب الأسماء في كشف غزة لم يصل إلا لعام 2006 حتى اليوم وهذا يعني أن ذوي الشهداء ينتظرون كثيرًا حتى يصلهم الترتيب.
وأشار النحال سابقا الى أن هناك استثناءات متعلقة بذوي الشهداء الذين يعانون من أمراض خطيرة بالتالي فإن مؤسسة الشهداء بالتعاون مع لجنة طبية من وزارة الصحة تمنحهم الاستثناء خاصة بالنسبة لمرضى السرطان.
وعن آلية الاختيار أوضح علاء البراوي المتحدث باسم مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى أن المنحة تشمل 480 من قطاع غزة منهم عشرين لذوي الشهداء المقيمين في مصر، لافتا إلى أن المكرمة تقسم بالمناصفة بين غزة والضفة.
حديث البراوي يتنافى مع المعلومات التي حصل عليها ائتلاف أمان العام الماضي، والتي تنص على أن المعايير وفقًا للأقدمية، وفي حال كان الشهيد أعزبًا يتم الحج لوالديه، وإن كان متزوجًا فيكون لزوجته وابنه ثم والديه إن تنازلت الزوجة عن رضا.
ليست المرة الأولى
وخلال بحث معدة التحقيق تبين لها أن التغيير في أسماء مكرمة أهالي الشهداء لم يكن العام الماضي المرة الأولى، ففي عام 2013 وحينما كان الدكتور إسماعيل رضوان وزيرا للأوقاف أبدى اعتراضه على ادراج وزارة الأوقاف في الضفة لأسماء 75 حاجا في اللحظة الأخيرة ممن لا تتطبق عليهم شروط المكرمة، مطالبا خادم الحرمين الشريفين بالتدخل لوقف العبث بحقوق الحجاج من ذوي الشهداء.
الوزير: " أبو جودة " أخطأ في طريقة ادارته لملف الحجاج
وفي ذات العام قال ذوو الشهداء على لسان زوجة الشهيد "سميح الناعوق" خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر وكالة "شهاب" للأنباء " إن خادم الحرمين الشريفين منح ذوي الشهداء مكرمة ملكية لعدد 1000 شخص، موزعة بالتساوي بين ذوي الشهداء في قطاع غزة ونظرائهم في محافظات القدس والضفة الغربية، إلا أن البعض في أوقاف رام الله يريد العبث والتلاعب.
وفي مايو لعام 2016 قال وكيل وزارة الأوقاف في غزة في ذلك الوقت حسن الصيفي في تصريح له إن وزارته "أثبتت بالدليل القاطع وقوع فساد كبير عام الماضي " 2015" في ملف مكرمة الشهداء، تقوده مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى في غزة.
وأشار الصيفي في بيان للأوقاف في ذلك الوقت إلى أنه "تم اكتشاف تلاعب وتزوير في 162 اسم ، وتم معالجة معظمها في معبر رفح نظرًا لضيق الوقت في حينه".
وكان الكاتب المختص بقضايا الأسرى عبد الناصر فروانة الذي كان عضوا في لجنة الحج المشتركة في عام 2011 قد كتب عن تغيير في كشوفات أسماء الحجاج من أهالي الأسرى في عام 2011 مؤكدا استبدال 34 اسما من قائمة الأسرى في الساعات الأخيرة بأسماء ليس لها علاقة بالشهداء والأسرى، بالإضافة إلى استبدال 11 اسما من قائمة ذوي الشهداء في نفس العام .
كما أنه وفي عام 2010 قد استثنى حينها وزير الأوقاف محمود الهباش أسماء أهالي أسرى القدس وفلسطينيي الداخل من المنحة وتراجع بعد تدخل لجنة تحقيق في الحادثة التي قدمت تقريرا كاملا للرئيس الذي قرر في اللحظة الأخيرة بالسماح لأهالي أسرى القدس وعرب الداخل من اللحاق بالحجاج، ولم يتحدث أحد عن تلك التجاوزات، ولم تعلن النتائج ولم يحاسب المتسببين بحرمان أهالي أسرى القدس من المنحة.
دور مقلص
توجهت معدة التحقيق إلى وزارة الأوقاف والتقت هناك رامي أبو ستيتة نائب مدير عام الحج والعمرة الذي أكد حصول الوزارة على معلومات تثبت تغييرات في كشوفات منح أهالي الشهداء في السنوات السابقة.
وأوضح: أن ملف منحة خادم الحرمين الشريفين المقدمة لأهالي الشهداء والجرحى تديره في الأصل ثلاث جهات مع التوضيح أن الغالب في منحة غزة يكون من أهالي الشهداء وفي منحة الضفة يكون من أهالي الأسرى وذلك نظرا لطبيعة المنطقتين في المقاومة ففي غزة يكثر الشهداء، وفي الضفة يكثر الأسرى.
ستيتة: مؤسسة أسر الشهداء المسؤولة عن اختيار الأسماء
ويضيف ستيتة: حصة غزة متساوية مع الضفة ولكل منهما 500 منحة وتدير توزيع المنح بالعدل، من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية ومؤسسة أسر الشهداء والجرحى، ولكن اختيار الأسماء يكون مسؤولية مؤسسة أسر الشهداء والجرحى، مضيفا: بينما نكمل نحن ووزارة الشؤون الاجتماعية بقية المهام والتفاصيل الأخرى الخاصة بالمنحة.
ولم ينكر ستيتة تصريحات صدرت عن وزارة الأوقاف في غزة تحدثت عن تغيير في الأسماء في اللحظة الأخيرة من قبل وزير الأوقاف الأسبق محمود الهباش وفي عدد من السنوات ما أدى إلى إقالة أبو جودة النحال مدير مؤسسة أسر الشهداء في النهاية، بعد اعتراضه الصريح على التلاعب بالمكرمة من قبل الهباش.
ويرى ستيتة أن الحديث في هذا الملف حساس جدا وقد يؤدي إلى حجب المكرمة، وليس لوزارته أن تطلع على تقارير مؤسسات أسر الشهداء بشكل مباشر ولكنها تتعامل مع شكاوى المواطنين، ففي عام 2017 وصلتهم 20 شكوى من أهالي الشهداء حرموا من المنحة في اللحظات الأخيرة.
وبحسب ستيتة فإن تدخل وزارة الأوقاف محدود في اختيار أسماء المنحة نظرا لأن الموضوع خضع للخلاف السياسي وكان يجب أن ينحى عن الخلافات السياسية لمصلحة أهالي الشهداء.
وعلى ما يبدو أن اختيار توقيت التغيير الذي يحدث في اللحظة الأخيرة يأتي لمنع أي تدخل أو توجيه أي استنكار، وهو توقيت لا يسمح باتخاذ موقف من قبل أهالي الشهداء والأسرى أو حتى الجهات المسؤولة.
ومع اقتراب موسم الحج لهذا العام وحتى كتابة هذا التحقيق، لم تشكل لجنة لاختيار أسماء أهالي الشهداء الذين وقع عليهم الاختيار رغم اقتراب،
وباستمرار الخلافات التي تتحول لمناكفة يخشى البعض من حرمان أهالي الشهداء من المكرمة كنتيجة حتمية لهذا الخلاف، وتبقى أعين الأهالي متجهة نحو المنحة، رغم الخوف الذي يعتريهم من تغيير بعض الأسماء في اللحظة الأخيرة كما يحدث في كل مرة!