قائد الطوفان قائد الطوفان

كيف صعّدت "إسرائيل" حملتها ضد زعيم حزب العمال البريطاني؟

كيف صعّدت "إسرائيل" حملتها ضد زعيم حزب العمال البريطاني؟
كيف صعّدت "إسرائيل" حملتها ضد زعيم حزب العمال البريطاني؟

الرسالة نت - وكالات

صعّدت "إسرائيل" في الآونة الأخيرة بشكل غير مباشر وعبر الجالية اليهودية في بريطانيا، حملة الهجوم على حزب العمال البريطاني عشية الانتخابات العامة الوشيكة.

ويوضح تقرير صادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" أن الذين يؤججون هذه الحملة يعيدون سببها الرئيس إلى تغلغل ما يوصف بأنه مظاهر معاداة السامية بين صفوف حزب العمال البريطاني، إلا إنه من الواضح أن الحملة بدأت مع فوز جيرمي كوربين بزعامة الحزب في 2015، وذلك على خلفية مواقفه المؤيدة للفلسطينيين والمنتقدة لإسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967.

وتمثلت آخر مظاهر هذه الحملة الصهيونية ضد حزب العمال، في مقال نشره كبير الحاخامات في بريطانيا إفرايم ميرفيس في صحيفة "تايمز" الأسبوع الفائت، وادعى فيه أن قيادة حزب العمال لم تفعل ما فيه الكفاية لكبح معاداة السامية وأشار إلى أن الغالبية العظمى من اليهود البريطانيين يساورها القلق من احتمال فوز حزب العمال في الانتخابات.

وينبه "مدار" أنه رغم أن كوربين نفسه سبق ووصف معاداة السامية مرات عديدة بأنها سم وشر ويعمل على اقتلاعها من الحزب، فإن ميرفيس قال إن الطريقة التي تعاملت بها قيادة حزب العمال مع العنصرية المعادية للسامية تتعارض “مع القيم البريطانية التي نفتخر بها”.

بموازاة خطوة ميرفيس هذه، أعربت كنيسة إنكلترا عن دعمها لليهود في بريطانيا، وحذر رئيس أساقفة كانتربيري، جاستين ويلبي، في الأسبوع الماضي، من تداعيات الشعور العميق بعدم الأمان والخوف لدى العديد من اليهود البريطانيين. وجاء هذا البيان بعد أقل من أسبوع من اعتراف كنيسة إنكلترا بأن “قروناً من معاداة السامية هي التي ساعدت في الوصول إلى الهولوكوست”.

ويقول "مدار" إنه من النادر أن ينتقد زعيم ديني قائد حزب سياسي في بريطانيا بشكل علني، ولكن خطوة ميرفيس هذه تأتي على ركام حملة منهجية يقوم بها قادة اليهود في بريطانيا ضد حزب العمال منذ انتخاب كوربين لزعامة الحزب.

ووفقاً لتقرير ظهر في صحيفة "إسرائيل اليوم" يوم الثالث من أكتوبر/ تشرين الثاني الفائت تحت العنوان “يهود بريطانيا مصابون بالرعب من كوربين"، فإن الجالية اليهودية في هذا البلد كثفت حملة التخويف الرامية إلى إضعاف احتمالات زعيم حزب العمال بالفوز في الانتخابات العامة.

وجاء في التقرير أنه مع انطلاق حملة الانتخابات للبرلمان البريطاني، تجندت أغلبية اليهود البريطانيين ضد مرشح حزب العمال لرئاسة الحكومة البريطانية جيرمي كوربين على خلفية فشله في مواجهة مشكلة معاداة السامية في حزبه. وخرجت الصحف الثلاث الناطقة بلسان اليهود "جويش كرونيكال" و"جويش تلغراف" و"جويش نيوز" بعناوين حاسمة تحذّر من تداعيات الانتصار المحتمل لكوربين في الانتخابات القريبة، أو من احتمال نشوء أغلبية تتيح له فرصة تأليف حكومة برئاسته.

وذكرت "إسرائيل اليوم" أن صحيفتي "كرونيكال" و"تلغراف" نشرتا تقريرين موسعين عن إعلان الحاخام جونثان روميين، الزعيم السابق للحركة اليهودية الإصلاحية في بريطانيا، الذي أقدم على خطوة غير مسبوقة ووجه رسالة إلى آلاف أعضاء حركته حذّر فيها من أن "تأليف حكومة برئاسة كوربين سيشكل خطراً على الحياة اليهودية في بريطانيا كما شهدناها حتى الآن"، ودعاهم إلى التصويت لأي حزب يمكنه أن يهزم حزب العمال في مناطقهم الانتخابية "حتى لو لم يفكروا في السابق بالتصويت لهذا الحزب".

وشدّد روميين على أن المشكلة كامنة في كوربين وليس في حزب العمال، وأشار إلى هذا الحزب سمح تحت زعامة كوربين بأن ترفع معاداة السامية رأسها في صفوفه في أحسن الأحوال، وشجع معاداة السامية في أسوئها. وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن 6 % فقط من يهود بريطانيا يعتزمون التصويت لحزب العمال، في حين قال نحو نصفهم إنهم سوف يفكرون جدياً في الهجرة إذا ما وصل كوربين إلى "داونينغ ستريت 10".

مواقف كوربين

كما سبق أن ذكرنا فإن كوربين، الذي كان حتى انتخابه في عام 2015 عضواً في المقاعد الخلفية للبرلمان البريطاني، يدعم القضية الفلسطينية، ولا يكف عن مهاجمة سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة ووصف ما تقترفه بأنها جرائم حرب، ودعا الحكومة البريطانية إلى إدانة قتل إسرائيل للفلسطينيين وتجميد بيع الأسلحة لها. كما أن كوربين يواجه منذ توليه رئاسة حزب العمال عام 2015 اتهامات بـ”معاداة السامية” من طرف العديد من الساسة وجزء كبير من وسائل الإعلام البريطانية. وشهد حزب العمال سلسلة استقالات أو عمليات فصل من الحزب على خلفية هذه الاتهامات.

اللاسامية والصهيونية

ويشير “مدار” إلى أن إسرائيل تقوم بربط مصطلح معاداة السامية بمعاداة الصهيونية. وفي إطار استغلال تلك الحملة على كوربين، اتهم وزير شؤون البيئة والقدس والتراث زئيف إلكين، زعيم حزب العمال بكراهية اليهود. وقال إلكين، وهو عضو في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية، ومقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل لا تقرر للبريطانيين من سينتخبون لكن عليها إعلان موقفها.

وأضاف: “أعتقد أن كوربين أثبت بنفسه، أكثر من مرة أو مرتين، أنه شخصية تكره بشدة دولة إسرائيل والشعب اليهودي”. وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي حوتوفيلي، إنه ما من شك في أن حزب العمال، في ظل وجود كوربين، يمثل مشكلة كبيرة جدا لعلاقات إسرائيل الخارجية. ورفض كوربين هذه الاتهامات وقال إنه لا يوجد لليهود ما يخشونه إذا ما فاز حزبه في الانتخابات المقبلة، وسط تقارير تحدثت عن أن العديد من اليهود سيفكرون في ترك البلاد في حال صعوده للسلطة.

لندن تسعى لتطبيق حل الدولتين

في واقع الأمر ورغم هذه الحملة على كوربين، فإن عدة تحليلات إسرائيلية تؤكد أنه حتى في حال هزيمة حزب العمال البريطاني وفوز حزب المحافظين بزعامة رئيس الحكومة الحالية بوريس جونسون، من غير المتوقع أن يحدث تغيير كبير في سياسة بريطانيا الخارجية إزاء إسرائيل، ولا سيما فيما يتعلق بموضوعي الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحل الدولتين، بحسب ما أشار تحليل للمعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار أيخنر مؤخراً.

وأشار هذا المعلق إلى أن جونسون أكد قبل فترة وجيزة أن لندن تسعى لتطبيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وورد تأكيده هذا خلال الاجتماع الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في لندن في الخامس من سبتمبر/ أيلول الفائت، وذلك في إطار تشديده على أن بريطانيا لا تزال تدعم جميع المبادرات الرامية للتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط وحل الدولتين. وجاء بعد أن أشار نتنياهو إلى أن الهدف من الاجتماع هو مناقشة إمكانية التعاون بين بريطانيا وإسرائيل لمواجهة تحدي عدوانية إيران الآخذة في التنامي. ويتجنب نتنياهو منذ فترة الحديث عن حل الدولتين، وتعهد بدلاً من ذلك بفرض القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في خطوة سوف تجعل حل الدولتين مستحيلاً.

تقرير بريطاني

وقبل هذا الاجتماع اتهمت الحكومة البريطانية إسرائيل بارتكاب انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، في أول تقرير سنوي لها حول وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم صدر في يونيو/ حزيران الماضي.

وبحسب تقرير بريطاني شهد عام 2018 انتهاكات مستمرة من طرف إسرائيل لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي في سياق احتلالها للضفة الغربية وغزة، بما في ذلك زيادة في عنف المستوطنين. وأشار التقرير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة جراء الاضطراب المرتبط باحتجاجات “مسيرات العودة الكبرى” التي بدأت في 2018. واتهم التقرير المتظاهرين الفلسطينيين على طول حدود غزة باستخدام العنف، إلا أنه أشار أيضاً إلى استمرار إسرائيل في فرض قيود صارمة على الحركة والتنقل في القطاع، وانتقد كذلك البناء الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، مشيراً إلى أنه في 2018 تم الدفع قدماً ببناء 7663 وحدة سكنية، وإلى أن عدد أعمال العنف والتخريب ضد الفلسطينيين من طرف مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية شهد ارتفاعاً في العام الماضي، ووصل إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات. وقال التقرير إن لندن ضغطت على إسرائيل للتخفيف من ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، وبالأخص القاصرين منهم.

وأشاد التقرير بإسرائيل لكونها ديمقراطية منفتحة وقوية مع مجتمع مدني نابض بالحيوية، لكنه أشار إلى وجود قوى غير ليبرالية تقوم بممارسة الضغوط على من ينتقدون سلوك الدولة في الأراضي الفلسطينية. ويشمل ذلك الخطاب من جانب السياسيين، والضغط على حكومات أجنبية للتوقف عن تمويل منظمات غير حكومية معينة وغيره.

كما انتقد “قانون الدولة القومية اليهودية”، الذي سنّه الكنيست في تموز 2018 لتكريس الطابع اليهودي للدولة، مشيراً إلى أنه قد يقوّض المساواة بين أفراد الأقليات.

وتعهد التقرير بأن تقوم لندن بدعم استئناف مفاوضات سلام تؤدي إلى حل الدولتين، بما في ذلك من خلال عملها في مشاريع مع منظمات غير حكومية. ولكن التقرير وجه في الوقت ذاته إصبع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية و”حماس”، وأشار إلى حالات انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ارتكبها الجانبان.

البث المباشر