قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: السر الكامن في حماس عسكر "إسرائيل" للتسوية مع سوريا

صالح النعامي     

لم يعد أحد من أعضاء منتدى " قادة الأجهزة " يرقب ضحكة مئير دجان رئيس جهاز " الموساد " الصفراء كلما طرح موضوع التسوية مع سوريا في وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد تعود أعضاء المنتدى الذي يضم جميع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والذي يلتئم بشكل دوري برئاسة نتنياهو على الحجج التي يسوقها دجان لتبرير تجاهل المسار التفاوضي مع سوريا، على اعتبار أن مخاطر التسوية مع سوريا – في نظره - أكبر بكثير من عوائدها الإيجابية. فالتقارير الواردة من "تل أبيب" حالياً تؤكد أن دجان لم يعد فقط مؤيداً بقوة لاستئناف المفاوضات مع سوريا، بل أنه بات متحمساً لدفع أي ثمن من أجل التوصل لتسوية سياسية تنهي حالة العداء بين "إسرائيل" وسوريا. ولا تكمن أهمية هذا التحول في مجرد أن دجان يعتبر أكثر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تأثيراً على دوائر صنع القرار في "تل أبيب"، بل أن هذا التحول يكتسب رمزية خاصة، فقد كان دجان قبل توليه منصبه الحالي يتزعم إطاراً جماهيرياً يدعو لعدم " التفريط " بالسيطرة على هضبة الجولان ولو بثمن إبقاء حالة العداء بين سوريا و"إسرائيل" إلى أبد الآبدين. ويؤكد كبار المعلقين الإسرائيليين الذين هم على دراية كبيرة بما يجري داخل أروقة صنع القرار في "إسرائيل" أنه لم يحدث إن كان قادة الأجهزة الأمنية في "إسرائيل" مجمعون على رأي في يوم من الأيام كما هم مجمعين حالياً على ضرورة بذل أقصى جهد من أجل التوصل لتسوية سياسية للصراع مع سوريا وبأسرع وقت ممكن، وحتى يوفال ديسكين رئيس جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك " الذي يعتبر الملف السوري خارج نطاق اهتمامات جهازه يمارس ضغطاً كبيراً على نتنياهو للإسراع في التفاوض مع السوريين، وتجاهل المسار التفاوضي مع الجانب الفلسطيني.

تغيير البيئة الإستراتيجية

وحسب المسوغات التي يسوقها قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلي لتبرير حماسهم للتسوية مع سوريا فإن انجاز هذه الخطوة يمثل تغييراً هائلاً وغير مسبوق في البيئة الإستراتيجية "لإسرائيل"، في حين أن إبقاء الوضع القائم على حاله لفترة أطول يحمل في طياته مخاطر ذات طابع وجودي على "إسرائيل"، سيما بعدما تبين للدوائر العسكرية الإسرائيلية وتحديداً لألوية البحث في كل من شعبة الاستخبارات العسكرية " أمان " والموساد أن حملة الإهانات التي وجهتها "إسرائيل" لسوريا في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2010 قد آتت نتائج عكسية تماماً، ولم تصب النظام السوري بحالة من الذعر تجعله يغير حساباته، بل دفعته لتحدي "إسرائيل" بتوثيق علاقاته مع الأطراف التي بإمكانها إيذاء "إسرائيل" بشكل كبير. ويشير المراقبون في "إسرائيل" إلى أن حملة الإهانات هذه شملت قصف المنشأة البحثية السورية شمال شرق سوريا أواخر العام 2006 واغتيال اللواء محمد سليمان الذي تتهمه "إسرائيل" بالوقوف خلف البرنامج النووي السوري، وتصفية عماد مغنية قائد الذراع العسكري لحزب الله على الأراضي السورية، علاوة على قيام الطائرات الإسرائيلية النفاثة بتفجيرات وهمية فوق قصر الرئيس السوري في مدينة اللاذقية عام 2007،  بالإضافة إلى عمليات أخرى. ويرى الجنرال يوسي بايدتس رئيس لواء الأبحاث في " أمان " أن الرئيس السوري بشار الأسد أثبت أنه مناور إستراتيجي من الطراز الأول، علاوة على تمتعه بقدرة كبيرة على الصبر والعمل تحت قدر كبير من الضغوط، والدليل على ذلك فشل محاولات الإدارة الأمريكية لعزل سوريا تحت قيادته، بحيث تعاظم تأثير المعسكر الذي تنتمي إليه سوريا، في حين تهاوى معسكر الاعتدال العربي، وباتت الكثير من دوله تحرص على التقارب مع دمشق، وتمثل ذلك في استعادة سوريا قدرتها على التأثير على ما يجري في المنطقة أكثر من أي قطر عربي آخر، وبات الجميع يقر بدورها المحوري في المنطقة.

تفكيك خطر حزب الله

لا خلاف بين قادة الأجهزة الأمنية في "إسرائيل" على أن تسوية مع سوريا تضمن تقليص المخاطر الناجمة عن المواجهة مع حزب الله، وتحرمه القدرة على مواصلة تهديد "إسرائيل". وتتهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية سوريا بأنها المسؤولة عن توفير كل مقومات الصمود العسكري لحزب الله، حيث أن سوريا لا تمثل فقط قاعدة لنقل السلاح لحزب الله، بل أن الإسرائيليين باتوا يؤكدون أن سوريا هي المسؤولة عن تزويد حزب الله بسلاح عمل لأول مرة على تغيير التوازن الإستراتيجي بين الحزب و"إسرائيل"، سيما بعد نقل صواريخ أم 600 التي تتميز بقدرتها التفجيرية الكبيرة و بدقة إصابتها المتناهية التي تهدد جميع المرافق الإستراتيجية في جميع أرجاء "إسرائيل"، والتي من شأنها أن تشل قدرة "إسرائيل" على المناورة خلال المواجهات العسكرية مع الحزب. وهناك إجماع بين النخب الأمنية على أن أي حرب مستقبلية مع حزب الله ستكون مختلفة تماماً عن الحروب السابقة، سيما حرب 2006، حيث أن مساحة الجبهة الداخلية التي ستكون جزء من المواجهة ستتسع بشكل كبير جداً، بحيث أن التقديرات الأولية لأي مواجهة عسكرية مع حزب الله تتحدث عن سقوط آلاف القتلى في الجانب الإسرائيلي. ويرى الجنرالات الإسرائيليون أن التسوية مع سوريا ستلحق أيضاً ضرراً سياسياً هائلاً بحزب الله وحلفائه في لبنان، ويتوقعون أن يتفكك التحالف الذي يربط حزب الله مع مجموعة القوى اللبنانية الأخرى بمجرد التوصل لتسوية سياسية بين "تل أبيب" ودمشق. وفي المقابل يشيرون إلى أن سوريا باتت حالياً اللاعب الرئيس في لبنان، بحيث مني خصومها بهزيمة نكراء تجلت مظاهرها في تهافت بعض الأطراف اللبنانية التي كانت تناصب دمشق العداء على محاولة كسب ود القيادة السورية بأي ثمن. وتشير النخب الأمنية الإسرائيلية إلى نقطة بالغة الأهمية تتمثل في إن إضعاف حزب الله سيسهم في تعزيز مكانة الدولة اللبنانية ويسمح لها ببسط سيطرتها على جميع مناطق لبنان، وهذا يكتسب أهمية كبيرة في نظر هذه النخب على اعتبار أن هذا التطور سيمنع تحول لبنان إلى نقطة انطلاق لعمل الحركات الجهادية السنية. وترى هذه النخب أنه في حال ظلت الأمور على حالها في لبنان، فإن تحقق هذا السيناريو سيكون مسألة وقت لا أكثر.

عزل إيران وضرب المقاومة

يرى قادة الأجهزة الأمنية في "إسرائيل" أن التوصل لتسوية سياسية للصراع مع دمشق كفيل بعزل إيران في المنطقة وإضعافها وتقليص قدرتها على التأثير على الأمن الداخلي الإسرائيلي من خلال علاقتها المميزة بكل من حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ويرون في "تل أبيب" أن استمرار الوضع الراهن يقلص من قدرة "إسرائيل" على مواجهة البرنامج النووي الإيراني، حيث يفترض قادة الأمن الإسرائيلي أن إقدام "إسرائيل" على ضرب المنشآت النووية الإيرانية سيتم الرد عليه بشكل أساسي من قبل حزب الله وحركة حماس، ولا يستبعدون أن تنجر سوريا إلى مواجهة عسكرية مع "إسرائيل" في أعقاب ذلك، من هنا فإن التسوية مع سوريا ستقلص هذا السيناريو. ويراهن جنرالات "إسرائيل" على أن تسهم التسوية مع سوريا في فك الارتباط بين دمشق وحركات المقاومة الفلسطينية التي تتخذ قياداتها من دمشق مقراً لها. ويفترض الإسرائيليون أن تؤدي التسوية مع سوريا إلى انتقالها إلى " معسكر الاعتدال "، مما يحرم حركات المقاومة من مصدر هام للدعم السياسي.

نتنياهو والثمن المطلوب

لا يحاول الجنرالات الإسرائيليون تضليل أحد في المستوى السياسي فهم يرون أنه يتوجب على "إسرائيل" أن تدفع كل الثمن الكفيل بإقناع دمشق بالتوقيع على اتفاق تسوية، وضمن ذلك الاستعداد للانسحاب من كل هضبة الجولان وتفكيك المستوطنات هناك. لكن نتنياهو الذي يستمع باهتمام شديد لنصائح الجنرالات، يواجه ثلاث معيقات تجعل من الصعب عليه الاستجابة لها، وتتمثل في:

التزامه الشخصي عشية الانتخابات الأخيرة بعدم الانسحاب من الجولان ومواصلة المشروع الاستيطاني فيها.

موقف شركائه في الائتلاف الحاكم وعدد كبير من نواب حزب الليكود الذي يتزعمه الرافض بشدة أي حديث عن انسحاب من هضبة الجولان.

موقف الإدارة الأمريكية الرافض بشدة لاستثمار أي جهود في المسار التفاوضي مع السوريين، وتشديدهم على ضرورة التركيز على المسار التفاوضي الفلسطيني.

لكن بعض هذه المعيقات على أهميتها بالإمكان تجاوزها، فإجماع الجنرالات غير المسبوق على أهمية التسوية مع سوريا سيترك تأثيره على اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي وسيقلص من قدرة القوى اليمينية داخل الائتلاف الحاكم على معارضة استحقاقات التسوية مع سوريا، وبالإمكان التغلب على هذا العائق بضم حزب " كاديما " المعارض والذي يؤيد التسوية مع سوريا لضمان استقرار الائتلاف في حال تركته القوى اليمينية. لكن معارضة الإدارة الأمريكية تبدو جدية حقاً، إلا أنه في حال اتخذ المستوى السياسي في "إسرائيل" بالتوجه نحو التفاوض مع دمشق، فإنه سيجد السبل والأدوات الكفيلة بإقناع الأمريكيين بأن هذه الخطوة تخدم المصالح الأمريكية بدرجة لا تقل عن المصالح الإسرائيلية.

مما سبق يتضح أنه في حال عرفت الأطراف العربية كيفية استثمار نقاط القوة المتاحة لديها فإنها ستتمكن من تحسين مكانتها في الصراع مع "إسرائيل"، لكن من أسف فإن بعض الأطراف العربية لا تفوت فرصة لتبديد هذه النقاط والإرتهان إلى السراب الذي يلوح في صحراء أمريكا الجرداء.

 

 

 

 

البث المباشر