اعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في افتتاحيتها، الخميس، أن صفقة القرن عبارة خطة ساذجة، لا سيما أنها تفترض قبول الفلسطينيين بها، من خلال عرض دولة بالاسم فقط.
وكتبت الغارديان في افتتاحيتها، أن صفقة القرن ليست إلا احتيالا، وذلك وفق عنوانها الرئيس، مشيرة إلى أنها كشفت عن تمثيلية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "السمجة" بأنه وسيط سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حين أنه ينحاز لإسرائيل فقط.
وتاليا النص الكامل لافتتاحية الصحيفة:-
جاء حل الدولتين نتيجة لنظام عالمي تحكمه القواعد، وهي القواعد التي يزدريها السيد ترامب لأنها تتعارض مع السلطة الغشيمة التي يفضل أن يدير بها شؤون العالم
تتكئ خطة السلام العربية الإسرائيلية التي أعلن عنها دونالد ترامب على سذاجة قبول الفلسطينيين بدولة من حيث الاسم فقط. فمنذ اتفاقيات أوسلو التي وقعت عام 1993 انطفأت جذوة الأمل في أن تقام دولة فلسطينية على معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية. كل ما تقدمه وثيقة إدارة ترامب هو بعض الكلام المعسول حول هذا الكيان، بينما تقزم حجمه وتشوه شكله لدرجة العدم.
تتصور الوثيقة احتمال أن يتم نقل البلدات الفلسطينية من داخل إسرائيل إلى خارجها، وتشتمل على محاولة سافرة لمنع الفلسطينيين من البحث عن العدالة بشأن ما ارتكب ضدهم من جرائم حرب – بما في ذلك تلك التي يجري الإعداد لارتكابها. يتباهي السيد ترامب بأنه صانع الصفقات، إذ يعرض خمسين مليار دولار للاستثمار إذا ما قايض بها الفلسطينيون حقوقهم المدنية والوطنية. إلا أن الفلسطينيين يرون فيه رجلاً مخادعاً ومحتالاً لا عهد له ولا ينوي الوفاء بما يتعهد به من وعود فارغة.
وما هذا المقترح إلا رشوة تقدم إلى منظري التيار اليميني في الولايات المتحدة وفي إسرائيل. كما أنه ينهي التمثيلية السمجة التي يلعب فيها السيد ترامب دور الوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يوجد لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو من الأسباب ما يجعله يعتقد أن زيارته إلى واشنطن كانت أسعد لحظات حياته، وهو الذي حذر ذات يوم من أن إسرائيل ستواجه خطراً مهلكاً فيما لو أقيمت دولة فلسطينية قادرة على العيش إلى جوارها.
تشير كافة التوقعات إلى أن أعضاء حكومة السيد نتنياهو سوف يصوتون في غضون أيام للبدء بعملية ضم المستوطنات في الضفة الغربية وكذلك ضم وادي الأردن.
وكم يتأكد اليوم سخف المقولة القديمة التي طالما سخرت بالفلسطينيين بزعم أنهم لم يفوتوا فرصة ليضيعوا فرصة سنحت للسلام، إذ لم يعد خافيا على أحد أن تأييد ترامب السافر لإسرائيل واستبعاده الفلسطينيين من عملية إعداد مسودة خطته سمحا لنتنياهو بأن يفعل ما يشاء.
يبدو جلياً أن الذي حدث هو محاولة مكشوفة من السيد ترامب لمساعدة السيد نتنياهو في الانتخابات القادمة، وهو الذي يواجه المحاكمة بتهم تتعلق بالرشوة والفساد. ولما كان ترامب نفسه يواجه محاكمة سحب الثقة منه داخل مجلس الشيوخ فهو يساعد نفسه هو الآخر بخطته تلك، والتي تضمن له دعم وتأييد الإنجيليين المناصرين لإسرائيل. لعل من فضائل خطة ترامب أنها تردم الهوة بين الوضع القائم على الأرض والتعابير التي تستخدم لوصفها.
تسيطر إسرائيل على الأرض التي تقع بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وإذا لم يتسن إقامة دولتين قادرتين على العيش في الأرض المقدسة، فسوف يعزز الوضع القائم واقع الدولة الواحدة أو الاحتلال المؤبد. ولهذا فإن مأزقاً سينجم عن سعي إسرائيل البقاء يهودية وديمقراطية في نفس الوقت بينما تستمر في السيطرة على حيز لا يقل عدد العرب فيه عن عدد اليهود. تكمن الورطة في كيفية الإبقاء على أغلبية يهودية قوية والاحتفاظ بكل الأرض وبالديمقراطية التامة. بإمكان إسرائيل أن تتعايش مع هذه التناقضات طالما سمح السيد ترامب بانتهاك القانون الدولي دون خوف من المحاسبة أو المساءلة.
نصف قرن من الاحتلال تمخضت عنه منظومة من التمييز المؤسسي ضد الفلسطينيين. سوف تنتهز إسرائيل حقيقة أن واشنطن تتجاهل قرارات الأمم المتحدة وأنها توافقها فيما تنتهجه من سياسات قاسية وغير مشروعة. يريد السيد ترامب إيجاد وقائع جديدة على الأرض. إلا أنه دون مساندة من الفلسطينيين، فقد تبدي بعض الدول العربية موقفاً فاتراً تجاه الخطة.
كان حل الدولتين نتيجة عملية سلام برعاية أمريكية ضمن نظام عالمي تحكمه القواعد، وهي القواعد التي يزدريها السيد ترامب لأنها تتعارض مع السلطة الغشيمة التي يفضل أن يدير بها شؤون العالم. وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف تصبح سياسة بريطانيا الخارجية رهينة لمثل هذه المقاربة. ولذا فقد كان ترحيب لندن بما اعتبرته "مقترحاً جاداً" من السيد ترامب باعثاً على الاكتئاب بقدر ما كان متوقعاً.
ينبغي رفض مقترحات الضم الأمريكية ويجب إعادة التأكيد على عدم مشروعية المستوطنات الإسرائيلية. لا يمكن للسلام أن يدوم إذا لم يرافقه قبول بأخطاء الماضي. كانت واشنطن ذات مرة رائدة في التأكيد على مرجعية القانون الدولي في إدارة العلاقات العالمية، إلا أنها اليوم تروج لقانون الغاب، حيث تنشغل كل دولة بالدفاع عن مصالحها دون أي اعتبار. نشهد هذه الأيام تشكل أوضاع في غاية الخطورة ليس في الشرق الأوسط وحده، بل وفي العالم أجمع.
عربي21