تغيب عن المشهد الفلسطيني خطة استراتيجية واضحة لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي جميعها ولا يقتصر ذلك على ما يتعلق بضم الضفة والأغوار وفرض السيادة عليها.
ومع اقتراب الاحتلال من تنفيذ مشروع الضم تُطرح الكثير من التساؤلات، حول مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، التي أنشأت عام 1993 لتكون نواة الدولة الفلسطينية التي قضى الاحتلال على أي فرص لقيامها.
ولا خلاف على أن بدء (إسرائيل) بتنفيذ مشروعها، سيؤدي إلى تقويض الوجود السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة.
وفي خضم مناقشة جملة انعكاسات تطبيق خطة الضم على مستقبل السلطة الفلسطينية، يجري الحديث عن عدة سيناريوهات لشكل السلطة في المستقبل.
السيناريو الأول: بقاء الوضع القائم على حاله وإن كان هو السيناريو الأقرب للواقع في الوقت الراهن لكنه لا يمكن أن يصمد إلى ما لا نهاية في ظل الإجراءات التي يفرضها الاحتلال على الأرض بشكل يومي وسعيه لمنحها الشرعية الدولية، وتشير المعطيات أن خطة الضم لن تقوّض من الوجود السياسي للسلطة، كما أنها ستحتفظ بما هي عليه في الوضع الراهن.
كما أن الاحتلال حتى الآن لا يسعى لدفع السلطة نحو الانهيار، خاصة وأن (إسرائيل) غير مستعدة لتحمل تبعات هذه الخطوة؛ بصفتها دولة محتلة، في المقابل من المستبعد أن تلجأ السلطة لحل نفسها لأن هدم الكيان السياسي للسلطة سيكون له تبعات هائلة خاصة من الناحية الاقتصادية، ولاحقا على الاحتلال من ناحية تحمله مسؤولياته كقوة احتلال، لذا من الصعب التخلي عن السلطة".
الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية-أمان، اعتبر أن "السلطة لن تسلم مفاتيحها بسرعة (لإسرائيل)، ولن تتخلى عن امتيازات بمليارات الدولارات، ولكن إذا حدث ذلك، فسيكون عند مغادرة أبو مازن، مع أنه ينطوي على تكاليف اقتصادية باهظة، فـ(إسرائيل) ستتحمل مسؤولية إدارة شؤون ملايين الفلسطينيين".
السيناريو الثاني: استمرار السلطة مع تغيير وظيفتها، بحيث تفقد السلطة تمثيلها السياسي مستقبلاً ويقتصر دورها على الجانب الخدماتي وتصبح أشبه بسلطة بلديات وهذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن في ظل إصرار السلطة على احتكار التمثيل السياسي الفلسطيني.
ولكن في مرحلة ما بعد أبو مازن فإن فرص تفكك السلطة قائمة بقوة وبناء عليه قد تقود الصراعات المتوقعة على الخلافة إلى تقسيم تركته وسحب التمثيل السياسي والبقاء على الجانب الخدماتي.
السيناريو الثالث: تحول السلطة إلى إمارات أمنية وتتصاعد فرص هذا السيناريو في حال تطبيق خطة الضم، حيث أن مدن الضفة الغربية ستتحول إلى سجون كبيرة، كما أن غياب أبو مازن سيفتح الباب واسعاً أمام الصراع على التركة السياسية والاقتصادية والأمنية أيضاً.
وقد بات في السنوات الماضية قادة الأمن الفلسطيني يتمتعون بصلاحيات ونفوذ كبيرين بحكم علاقاتهم المباشرة مع الاحتلال من خلال التنسيق الأمني، ما يرجح أن الاحتلال قد يلجأ للاعتماد عليهم بعد غياب عباس من خلال تعيين قائد أمني لكل منطقة فلسطينية فيما يعرف بأمراء الأمن، وهو سيناريو وارد بقوة مستقبلاً.
السيناريو الرابع: انهيار السلطة بالكامل: وهو سيناريو يحذر منه أمنيون إسرائيليون، حيث أن السلطة ستصل لمرحلة الانهيار بسبب نتائج خطة الضم، ومع تبعات مواجهتها لوباء كورونا، حيث أن سياسة الإغلاق التي تفرضها السلطة على مناطقها خشية من تفشي الوباء، قد تؤدي في النهاية لانهيار المنظومة الاقتصادية، مع أن الانفتاح الاقتصادي الذي عاشته المناطق الفلسطينية في السنوات الأخيرة قد ينتهي بتراجع تدريجي.
هذا الوضع يعني التفكك التدريجي للسلطة بشكل سريع، وهو سيناريو الفوضى العارمة بالضفة، وقد تصاعدت تحذيرات إسرائيلية من هذا السيناريو مؤخراً، حيث قال القائد السابق للمنطقة الوسطى بجيش الاحتلال غادي شمني، أن "سير (إسرائيل) نحو خطوات أحادية أمام الفلسطينيين، سيقوض الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، وصولا لانهيار السلطة، لأن من يقودون الخط السياسي في (إسرائيل) يعتقدون أنه لا ينبغي أن يتكون هناك دولة فلسطينية، وأن الحل يتمثل في الأردن".