قائد الطوفان قائد الطوفان

في بيت عسلية.. الحياة كانت رغيفا وديمة ستخبزه  

خلال تشيع الطفلة ديمة عسلية
خلال تشيع الطفلة ديمة عسلية

الرسالة نت-رشا فرحات

كان الوقت هادئا على غير العادة في منطقة تل الزعتر، ما قبل الموعد الذي حفظه أهل شمال القطاع لمجيء طائرات الاحتلال، التي تتعمد بدء غاراتها ما بعد الثانية عشر، لتروع المواطنين، وتقلق نوم الأطفال.

الساعة تشير إلى الثامنة، وأرغفة أم ديمة عسلية ممددة في انتظار الكهرباء، التي عادت فجأة بعد انقطاع، فاستغلت الأم ذلك حتى تخبز أرغفتها وطلبت من طفلتها التي لم تتجاوز الحادية عشر أن تذهب لإحضار "قدر الخبيز الكهربائي" من البيت المجاور، وهو بيت شقيقتها المتزوجة من ابن عمها.

أحضرت ديمة القدر، أو ما يسميه أهالي القطاع "طنجرة الكهرباء" وكانت متحمسة لتشارك أمها الخبيز، ولعلها كانت تنتظر خبزا طازجا لتشارك أخوتها طعام العشاء.

والدها أسعد عسلية كان ونيس خطواتها بعد أن خرجت من البيت، اعتلى سطح المنزل ليراقب ابنته حتى تعود، وليطمئن قلبها بأن والدها هناك خلف الحائط، بجوارها، ولم يكن يخطر في باله ولو للحظة واحدة أن وحشية المحتل وصلت إلى هذه الدرجة من القذارة.

عادت ديمة، وصلت عند باب البيت، وقبل أن تخطو خطوتها الأولى للدخول، انفجر كل شيء في وجه الأب الذي يراقب ابنته من الأعلى.

كتلة من الغبار والحجارة تناثرت في السماء، أرغمت الأب على خفض رأسه قليلا، والنزول إلى الأرض: "أخفضت رأسي واتصلت على رقم الإسعاف مباشرة، كنت أتوقع أن طائرات الاحتلال تستهدف أحدهم بالقرب من منزلنا، وبالطبع توقعت أن هناك إصابات، فباشرت بالاتصال".

نزل الأب درجات المنزل راكضا نحو الخارج وهو لا يزال يتحدث مع موظف الصحة، بعد أن انقشع الغبار ووضحت الرؤية، وسمحت له بأن يرى جثة ملقاة في الطريق أمام بيته.

يكمل للرسالة شارحا: "كل احتمالات الدنيا خطرت في بالي، إلا أن يستهدف الاحتلال طفلتي، الشارع كان فارغا، وهذا يعني أنه كان يراها، واستهدفها بشكل مقصود، ولا زلت أسأل نفسي منذ الأمس، لماذا يفعل بأطفالنا ذلك، لماذا قُتلت ديمة؟!".

توقعات الأب لم تكن في محلها، فالاحتلال استهدفها بصاروخ متعمد وبدم بارد، كما استهدف 47 طفلا منذ بداية العدوان على غزة قبل عشرة أيام.

حاول الأب اسعاف ابنته، وحملها برفقة عمها إلى أقرب مستشفى ولكنها فارقت الحياة، بعد إصابتها مباشرة في الوجه والصدر.

لأسعد عسلية الذي يعمل سائقا ثمانية أولاد، أربعة ذكور وأربعة أناث، أصبحوا بالأمس سبعة بعد أن فقدوا شقيقتهم الصغرى ديمة، التي اغتالها احتلال إرهابي، يقتل الطفولة والأشجار والأزهار وأرغفة الخبز.

البث المباشر