لا تبدو الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية مكترثة بازدياد معدل الجرائم وحالات القتل في مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة، بقدر قمع المتظاهرين والناشطين السياسيين المعارضين لها، أو حتى على الصعيد الأمني في التنسيق مع جيش الاحتلال وملاحقة المقاومين.
ومن الواضح أن أجهزة السلطة تهدر جل وقتها وطاقاتها وتكرس كل قوة في القضايا السياسية وملاحقة المعارضة، إلى جانب تعزيز سطوتها الأمنية على المقاومين وتسليمهم للاحتلال، فيما تغض الطرف عن الجرائم والفلتان الأمني في مدن الضفة.
وبحسب تقرير صادر عن جهاز الشرطة التابعة للأجهزة ذاتها فإن الجرائم وحالات القتل ارتفعت منذ مطلع العام الجاري ووصلت 69% خلال النصف الأول من العام، فيما قتل نتيجتها 22 مواطناً خلال 18 جريمة، مقارنة مع 13 قتلوا عام 2020 في الفترة نفسها.
ووفق التقرير، فإن معدل جريمة القتل ارتفع في فلسطين بنسبة 69 ٪، فيما ارتفعت الجريمة ومظاهر العنف بنسبة 40 ٪ منذ بداية عام 2021 حتى يونيو مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020.
ويحذر الناطق باسم شرطة رام الله العقيد لؤي ارزيقات، في تصريحات صحفية لـ"القدس العربي" من أن تنتقل ظاهرة القتل في مناطق 1948 إلى الضفة الغربية وضواحي مدينة القدس.
واعتبر أن ما يجري في الضفة الغربية ومناطق القدس يعد بمثابة ترحيل لملف الجريمة إلى الضفة، معتبراً ذلك "بالمؤشر الخطير للغاية".
ويعكس ما سبق حالة التردي وتحول دور أجهزة السلطة من حماية أمن المواطن إلى ملاحقته وقمعه وصولا إلى قتله، وما حادثة اغتيال الناشط السياسي نزار بنات ببعيدة، وهو ما يعني أن تلك الأجهزة أصبحت شريكة في الجريمة!
غياب المحاسبة
ويُبدي المحامي والناشط الحقوقي مهند كراجه استغرابه من سلوك أجهزة أمن السلطة التي تنشط في القضايا السياسية وملاحقة من ينتقدها، وتعمل كل إجراءاتها من أجل القبض عليه ومحاسبته على عكس متابعة الجرائم المجتمعية.
ويوضح كراجة في حديثه لـ"الرسالة" أن ارتفاع معدل الجرائم يرجع إلى غياب العقاب الحقيقي والمحاسبة وعدم استقلالية السلطة القضائية وتدخل السلطة التنفيذية فيها، إلى جانب غياب الرقابة على عمل الأمن وعدم السيطرة على بعض المناطق.
ويؤكد أنه من الضروري أن يكون هناك متابعة حقيقية للجرائم على غرار الاهتمام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، مشيراً إلى أن هناك يومياً مئات القضايا المتكدسة والشكاوى ضد الأشخاص الذين يرتكبون جرائم وينفذوها، ولا تلقى اهتماماً.
ويضيف كراجة "مثال ذلك قضية نزار بنات الذي جرى إطلاق النار على منزله في شهر مايو الماضي ولم يكن هناك أي بحث على الجناة أو محاسبتهم أو تقديمهم للعدالة، وغيرهم من الأشخاص اليوم يطلقون النار ويحرقون سيارات، ويرتكبون عمليات قتل ولا يوجد محاسبة حقيقية فعلية للجناة".
أصحاب نفوذ
ويرى المختص في الشأن الأمني محمد أبو هربيد أن المشهد في الضفة استثنائي فيما تتركز الجرائم في المدن وأطرافها وجزء في القرى بينما المخيمات أكثر انضباطاً.
ويرجع أبو هربيد في حديثه لـ"الرسالة" عوامل ازدياد معدلات الجريمة إلى أن السلطة لا تعزز ثقافة القيم والأخلاق والسلوكيات الحسنة بقدر ما تركز على السطوة الأمنية، وتعيد تكرار تجربتها الماضية من عربة وتسلط كما جرى في قطاع غزة قبل العام 2006.
ويبين أن أغلب مرتكبي الجرائم هم أشخاص لهم علاقة بالأجهزة الأمنية أو على صلة، إلى جانب استخدام النفوذ في القضايا، وغياب حالة الردع وعدم وجود قضاء نزيه يعمل على إنفاذ القانون وتطبيقه.
ويلفت أبو هربيد إلى أن هناك حالة من الخراب في المؤسسات ألقت بظلالها على سلوك المجتمع وغياب العدالة، مما يؤكد أن هناك إشكالية، لكنه يرى أن السلطة لم تأخذ دورها في ضبط الحالة الأمنية والمجتمعية.
ويشير إلى أن تلك الأجهزة تركز كل قوتها لمنع المقاومة من العمليات، مما خلق حالة فراغ في البعد المجتمعي، وهناك حالة عدم ثقة واهتزاز مجتمعي وفجوة بين السلطة الحاكمة وكل مكونات المجتمع الفلسطيني في الضفة.