اجتمع الرئيس التونسي قيس سعيّد بقادة الجيش، ووعد بإصدار قانون لاسترجاع الأموال المنهوبة، في حين جددت الكتل البرلمانية رفضها ما أسمته "الانقلاب"، كما وعد الاتحاد العام للشغل بتقديم خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
وأعلنت رئاسة الجمهورية التونسية أن الرئيس سعيّد عقد اجتماعا بقصر قرطاج مع أعضاء المجلس الأعلى للجيوش وقيادات أمنية عليا، من دون تقديم أي تفاصيل إضافية عن فحوى الاجتماع.
كما استقبل سعيّد رئيس اتحاد الصناعة والتجارة سعيد بسمير ماجول، وقال خلال اللقاء إنه سيصدر في وقت لاحق نصًّا قانونيا ينظم إجراءات مصالحة قانونية تسمح باسترجاع الأموال المنهوبة، موضحا أن عدد من نهبوا أموال تونس هو 460، وذلك بناء على تقرير لجنة وطنية لتقصي الحقائق.
وأضاف أن رؤيته تتضمن إلزام من تورطوا في نهب الأموال العامة بتمويل مشاريع في المناطق الفقيرة، وأنه لا يريد التنكيل بأي شخص بل إعادة الأموال المنهوبة إلى الشعب، مشيرا إلى أنه قد عرض سابقا مصالحة قانونية.
وتابع سعيّد قائلا "يجب إنهاء التهرب من دفع الضرائب والعودة فورا لعملية استخراج الفوسفات اليوم قبل الغد. هناك أشخاص داخل المجلس النيابي يحتمون بالحصانة من أجل تعطيل إنتاج الفوسفات لتحقيق مصالحهم".
كما اعتبر الرئيس التونسي أن هناك ضغوطا مالية على بلاده، بينما يحظى البعض بقروض وأموال من البنوك ويمتنعون عن دفع الضرائب.
من جهته، قال المتحدث باسم المجمع القضائي الاقتصادي والمالي في بيان إن النيابة العمومية فتحت منذ العاشر من يوليو/تموز الجاري بحثا تحقيقيا ضد هيئة الحقيقة والكرامة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وشركة الخطوط التونسية.
وأشار المتحدث في تصريح لوكالة الأنباء التونسية إلى أن التحقيق يخص ملفات فساد مالي، وصفقات، وتدليس وثائق.
خريطة طريق
من جهة أخرى، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري إن المنظمة النقابية ستقدم قريبا للرئيس سعيّد خريطة طريق، تتضمن تصورات تتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية للاستئناس بها خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد التأكد من سلامة الإجراءات التي أقرها الرئيس، باستشارة مجموعة من أساتذة القانون الدستوري.
وذكر البوغديري أن أبرز نقاط هذه الخريطة ستتمحور حول الإسراع في إنهاء هذا الوضع الانتقالي، وحث الرئيس على اتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة.
وبخصوص طبيعة الحكومة القادمة، أكد البوغديري إجماع جميع الأطراف داخل الاتحاد على ضرورة تشكيل حكومة كفاءات وطنية.
استمرار الإقالات
وبعد سلسلة من الأوامر الرئاسية التي تقضي بإعفاء مسؤولين في رئاسة الحكومة، أصدر سعيّد قرارا بإقالة المدير العام للتلفزيون الرسمي محمد لسعد الداهش، كما تم تعيين بديل مؤقت له.
ويأتي ذلك على خلفية رفض مدير التلفزيون دخول نائبة نقيب الصحفيين ورئيس رابطة حقوق الإنسان لمقر التلفزيون ومشاركتهما في برنامج حوار، حيث قال إن عميدا في الجيش طلب منه ذلك، قبل أن يتراجع لاحقا عن المنع إثر تدخل من النقابة.
وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية نفى أن يكون ضباط من الجيش قد منعوا صحفيين من دخول التلفزيون التونسي الرسمي، كما نفى أحد المستشارين برئاسة الجمهورية أن تكون الرئاسة هي من منعت الضيفين من الدخول.
وقال نقيب الصحفيين التونسيين محمد الجلاصي للجزيرة إن الرئيس سعيّد تعهد بحماية حرية الصحافة والتعبير.
وأكد الجلاصي أن نقابة الصحفيين والمنظمات المدنية ستظل يقظة من أجل حماية الحريات، مشيرا إلى أنهم يسعون إلى أن يعاد فتح مكتب الجزيرة في أقرب الأوقات.
وأضاف نقيب الصحفيين التونسيين الجلاصي أنه لا علم له بالأسباب التي أدت إلى إغلاق مكتب الجزيرة في تونس، معتبرا أنه يجب عدم إغلاق مكتب الجزيرة أو أي وسيلة إعلام أخرى، وعدم الإساءة لتونس من خلال التضييق على حرية الصحافة.
من جهة أخرى، أصدر سعيد أمرا رئاسيا بإحداث غرفة عمليات لإدارة جائحة كورونا تحت قيادة المدير العام للصحة العسكرية.
وتعليقا على قرارات الرئيس سعيد الاستثنائية، قال الرئيس السابق للمجلس التأسيسي في تونس مصطفى بن جعفر للجزيرة "لا بد من العودة للتسيير العادي لدواليب الدولة. همي هو أن تعود الأوضاع إلى مجاريها دون أي ممارسات انتقامية".
وأضاف مصطفى بن جعفر أن فكرة الحوار الوطني طرحها سابقا اتحاد الشغل ووافق عليها الرئيس سعيّد.
وبعدما أقال الرئيس الحكومة وعطّل البرلمان الأحد الماضي، ما زالت التيارات السياسية الأكثر تمثيلا في البرلمان ترى أن ما حصل "انقلاب" على الدستور والثورة، وتطالب الرئيس سعيّد بالعدول عن الإجراءات الاستثنائية.
وعارضت أغلب الكتل البرلمانية القرارات الاستثنائية لرئيس الجمهورية، إذ عدتها "النهضة" (53 نائبا من أصل 217) "انقلابا"، واعتبرتها كتلة "قلب تونس" (29 نائبا) خرقا جسيما للدستور، كما رفضت كتلة "التيار الديمقراطي" (22 نائبا) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة "ائتلاف الكرامة" (18 مقعدا) بالباطلة، في حين أيدتها حركة "الشعب" (15 نائبا).
وقال رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي إن الأمور لا تبشر بخير في اليوم الثاني لما سمّاه "العصر الجديد".
وأضاف الغنوشي -الذي يرأس حركة النهضة- أن البرلمان أُغلق بدبابة، وصودرت مكاتب عدد من التلفزيونات ووسائل الإعلام، وأنه يأمل أن يوقف الرئيس ما سماه "مسار التدهور نحو الدكتاتورية الدستورية". وقال إن الدكتاتورية لا تنتج علاجا وإنما هي الخطر الأكبر.
وأشار إلى أنه لا يرى أن المستهدف حزب واحد هو النهضة، وإنما المستهدف هو النظام الديمقراطي الذي يضمن الفصل بين السلطات، ولذلك رفضت الحركة إجراءات الرئيس قيس سعيّد، ومعظم الساحة السياسية ترفض التضحية بالديمقراطية.
مواقف دولية
قال وزير الدفاع الماليزي السابق ورئيس حزب "الأمانة الوطنية" محمد سابو فاتّهم دولا إقليمية بالوقوف وراء تعطيل البرلمان التونسي ومحاربة رموزه مثل رئيسه الغنوشي.
وأضاف، في حديثه لمراسل الجزيرة نت سامر علاوي، أن أيدي دولة خليجية -وصفها بالدكتاتورية- وأموالها وقفت وراء محاولات زعزعة استقرار الأردن قبل نحو شهرين، كما موّلت الانقلاب في مصر على الرئيس السابق محمد مرسي، وهي نفسها التي تعمل على تدمير الديمقراطية التونسية اليوم.
وفي أحدث المواقف الدولية تجاه أزمة تونس، أجرى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيا مع الرئيس التونسي، أعرب خلاله عن ضرورة تجاوز الأزمة السياسية الراهنة في تونس، وفق ما جاء في بيان للديوان الأميري في قطر.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن وزير الخارجية جان إيف لودريان أبلغ نظيره التونسي عثمان الجرندي أن تعيين تونس رئيسا جديدا للوزراء وحكومة على وجه السرعة أمر بالغ الأهمية.
المصدر : الجزيرة + وكالات