داخل صالة كبيرة تعمل العشرات من نساء بلدة "بيتا" كخلية نحل في إعداد الطعام لحراس الجبل، كل يوم أكلة مختلفة ما بين المقلوبة والمفتول والفتة والطبخات النباتية، لكن يوم الجمعة أكلته معروفة "العرايس" - رغيف توضع فيه اللحمة المفرومة بتوابل خاصة.
قبل أن تجهز أم خالد زوجة مكبر الجبل، الطعام لأفراد أسرتها تذهب لمساعدة حارسات الجبل في صنع "العرايس" يوم الجمعة، فقد جهزن 4 آلاف وجبة صنعت بحتمية النصر للجبل ومقاوميه.
تتفنن أم خالد ومن معها من السيدات في إعداد أشهى المأكولات لدعم الشباب ويكتبن على صناديق الطعام عبارات تشحذ الهمم لمواصلة الرباط ومواجهة المحتل على جبل صبيح.
وعند السؤال لماذا "أكلة العرايس" يوم الجمعة تحديداً، فكان الرد لأن الثائر على الجبل من السهل عليه تناولها وهو يواجه المحتل، فيضعها في جيبه وحين ينتهي من المواجهة يتناولها، فهي سهلة التحضير وخفيفة الحمل وشهية المذاق.
ومن السيدات اللواتي يشاركن منذ اليوم الأول لأحداث بيتا في دعم حراس الجبل، أمال بني شمسة وهي أم لطفلين، لم تتوان لحظة عن إعداد الطعام وتوصيله إلى أقرب نقطة من الجبل، تقول: "لم أتأخر لحظة عن دعم الشباب رغم أن اثنين من أشقائي أصيبا خلال المواجهات".
وذكرت بني شمسة "للرسالة نت" أنها من القائمين على مبادرة (أقل واجب) منذ بداية الهبة الشعبية والمتخصصة في صنع الطعام لشباب الجبل، فكانت تأخذ الطعام الذي تعده وجاراتها بشكل فردي بسيارتها إلى الجبل رغم المخاطر التي كانت تحف طريقها.
وتوضح أن الكثير من الشباب حين يشاهدون نساء بيتا وهن يحضرن الطعام إليهم تأخذهم نار الحمية بسبب الخوف عليهن من المواجهات، ويطالبونهم بعدم الرجوع لكنهن يصررن على العودة وتجهيز الطعام والعصير والماء البارد.
ويعترض الاحتلال طريق نساء بلدة بيتا وهن يذهبن بالطعام لحراس الجبل، بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، كما وصفهن الإعلام العبري بـ "إرهابيات الجبل، وتعلق على ذلك بني شمسة بالقول "لو كان الإرهاب هو الدفاع عن الأرض ودعم الثوار فهذا فخر لنا".
وعبر صفحة الفيسبوك كتبت الناشطة عبير قاسم التي تذهب لمشاركة نساء بيتا في تجهيز الطعام، تقول: "يعتقد الكثيرون ولعدم ظهور الدور الحقيقي في الاعلام للمرأة في معركة بيتا أن دورها اقتصر على إعداد الطعام للمقاومين على جبل صبيح والمتضامنين معهم ، متابعة: الحقيقة أن الركيزة الأولى والأساسية لنجاح تجربة بيتا هي المرأة فهي التي تدفع أبناءها وزوجها للتواجد على الجبل مدركة سلفاً النتائج الكبيرة والثمن الباهظ لهذا القرار".
وأوضحت أن سيدات بينا يتحدثن عن أبنائهن بفخر رغم أنهم يعودون على العكازات بفعل الرصاص الذي يطلقه الجنود الإسرائيليون عليهم.
وذكرت قاسم أن النساء يدفعن الرجال في بيتا للاستمرار بالمقاومة الشعبية، بل ويمددنهم بالصبر بعدما فقد المئات من العمال مصدر رزقهم عقاباً لهم، موضحة أن رد نساء بيتا كان أنهن أخذن على عاتقهن المساهمة في مصروف البيت من خلال زراعة الأرض والعمل اليدوي لتوفير قوت عائلاتهن.
وبحسب متابعتها، فإن مقاومة المرأة لم تقتصر على إعداد الطعام لحراس الجبل وزواره بل تجاوزن ذلك واخترعن الصابون السائل من أجل غسل ملابس وأحذية وحدة الكوتشوك التي يصعب على المساحيق العادية إزالة (الشحبار) عنها.
كما تتواجد نساء بيتا على جبل صبيح للدفاع عن أبنائهن من الغاز المسيل للدموع والخانق، ويحملن البصل لحماية الشباب من حالات الإغماء، فدوماً هن الداعم المعنوي لحراس حبل صبيح.
إعداد الطعام وتوفير الماء المثلج والقهوة لم يكن دور نساء بيتا الأول بل كان الأخير، فالتجربة تؤكد دورهن في المقاومة الشعبية ودعم الرجال في مواجهة محتل يحاول سلب أراضيهم.