تطورات مهمة طرأت على الاقتصاد التركي خلال الأسبوع الأخير تشير إلى بداية تعافيه في ظل معاناته جراء عوامل داخلية بنيوية وتدخلات خارجية، فهل ينعكس ذلك على مشكلة التضخم وصرف الليرة وارتفاع الأسعار داخل البلاد؟ وهل نشهد تخفيضا لنسبة الفائدة خلال الفترة المقبلة؟
وتصدر الاقتصاد التركي مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي، حيث احتلت تركيا المرتبة الثانية بعد بريطانيا بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأكثر نموا خلال الربع الثاني من العام 2021، بنسبة نمو بلغت 21.7%.
كما احتلت تركيا المركز الثالث في عدد شركات المقاولات الدولية بمجموع 40 شركة، بعد كل من الصين (78 شركة) والولايات المتحدة (41 شركة)، وقد اعتمد تقييم هذه الشركات على الإيرادات التي حصلت عليها من أعمالها بالخارج خلال العام السابق، وفقا لما نشرته مجلة سجل الأخبار الهندسية.
وأفادت هيئة الإحصاء التركية بأن صادرات تركيا نحو الخارج تجاوزت 121 مليار دولار خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، في حين تتطلع البلاد إلى بلوغ 210 مليارات دولار مع نهاية العام الحالي.
وأظهرت معطيات رسمية أن تركيا صدّرت سيارات ركاب إلى أكثر من 100 دولة وإقليم ومنطقة تجارة حرة خلال 7 أشهر بقيمة 5.5 مليارات دولار.
ووفقا لمعطيات رسمية، زاد الإنتاج الصناعي التركي 13 مرة خلال الأشهر الـ14 الأخيرة، كما زادت الصادرات التركية بنسبة 70% في الربع الثاني من هذا العام، محققة أعلى أداء ربع سنوي في تاريخ تركيا بواقع 55 مليار دولار، كما تجاوزت صادرات تركيا في الأشهر الـ12 الماضية 200 مليار دولار لأول مرة في تاريخها.
ولم تكتف تركيا بإنتاج سلاحها وسفنها وصواريخها، بل تصدّر قسما منها، حيث تجاوزت صادراتها الدفاعية والجوية 3 مليارات دولار.
وكان الاقتصاد التركي قد حقق نموا 7.2% في الربع الأول من العام الجاري، ليواصل الارتفاع في الربع الثاني إلى أعلى معدل نمو معلن منذ 1999.
المؤسسات الدولية
وبدأت المؤسسات الدولية الرائدة في الاقتصاد والتمويل تعديل توقعاتها للاقتصاد التركي الذي تسارع أداؤه مع الانتعاش الاقتصادي العالمي المستمر والتقدم في عمليات التطعيم ضد كورونا.
وجاء أول تغيير من وكالة "موديز" (Moody’s) الدولية للتصنيف الائتماني التي عدلت توقعاتها لنمو الاقتصاد في تركيا من 5% إلى 6% للعام الجاري.
ورفعت توقعاتها للنمو الاقتصادي في تركيا لعام 2022 من 3.5 إلى 3.6%، مشيرة إلى أن التقدم في عمليات التطعيم والانتعاش في قطاع السياحة يدعم النمو.
كما عدلت بنوك الاستثمار الأميركية الكبرى توقعاتها إيجابا، حيث رفع "جي بي مورغان" (JP Morgan) توقعاته للنمو في تركيا من 6.8 إلى 8.4%، مرجعا ذلك إلى الطلب المحلي القوي والانتعاش في الصادرات.
بدوره، رفع بنك "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) توقعاته لنمو الاقتصاد التركي العام الجاري من 7.5% إلى 9.5%.
أما صندوق النقد الدولي، فعدّل إيجابا توقعاته لنمو الاقتصاد التركي من 5.8% إلى 6% في 2021، ومن 3.3 إلى 3.5% لعام 2022.
من جهتها، أكدت "بلومبيرغ" (Bloomberg) العالمية أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي التركي بلغت خلال الربع الماضي 1.581 تريليون ليرة (188.566 مليار دولار)، مقارنة مع 1.03 تريليون ليرة (175.5 مليار دولار) على أساس سنوي.
نمو وانتعاش
وأعلن محافظ البنك المركزي شهاب قاوجي أوغلو -خلال اجتماع نظمته غرفة التجارة والصناعة الألمانية التركية والبنك المركزي التركي- أن بلاده كانت بين اقتصادات أحرزت تقدما في السياسات المالية والنقدية الداعمة وبرامج التحصين، وحققت نجاحات باحتواء جائحة كورونا، الأمر الذي انعكس إيجابًا على الإنتاج والاستثمار والتوظيف.
وأكد أن العوامل المؤقتة المؤثرة على توقعات التضخم ستفقد تأثيرها على المدى القصير، وسيدخل التضخم في اتجاه الهبوط خلال الربع الأخير من العام الجاري، مشيرا إلى أن احتياطات تركيا من النقد الأجنبي تتراوح بين 115 مليار دولار و120 مليار دولار.
بدوره، قال وزير التجارة التركي محمد موش، في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، "بلغت مساهمة صادراتنا من السلع والخدمات في النمو 10.8 نقاط، هذه القيمة هي أعلى مساهمة مسجلة منذ عام 1998، وسنستمر بالنمو على أساس الاستثمار والإنتاج والصادرات".
وفي 20 أغسطس/آب 2021، قال وزير الخزانة والمالية التركي لطفي ألوان إنه من المتوقع أن يسجل اقتصاد تركيا نموا أكثر من 8% خلال عام 2021، في حال عدم حصول أي صدمة خارجية متعلقة بجائحة كورونا.
وأوضح ألوان أن منحى الانتعاش التدريجي في قطاع الخدمات، وخاصة في السياحة، مستمر مع زيادة معدل التطعيم في البلاد، مؤكدا أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا تثير أسئلة استفهام بشأن قوة وديمومة الانتعاش الاقتصادي على المستوى العالمي.
تعاف وصعوبات
وفي السياق، ذكر الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه بأزمير الدكتور محمد إبراهيم أن انتعاش الاقتصاد التركي يأتي بعد الحد من تأثير كورونا عليه جراء انتهاء الإغلاق وإعطاء اللقاحات؛ وبالتالي التعافي عاد لما كان عليه الوضع قبل الوباء وفرض الإجراءات الوقائية.
وقال إبراهيم للجزيرة نت "لا يزال معدل التضخم مرتفعا والأسعار لم تتحسن بل على العكس حدث ارتفاع في أسعار بعض السلع الأساسية خاصة فواتير الكهرباء والماء بحوالي 15% وغيرها من السلع، وحدث انخفاض في سلع أخرى".
ولفت إلى أن سعر صرف الليرة لا يزال يشهد تذبذبات خلال الفترة الأخيرة وإن كانت أقل حدة من الفترات السابقة، ومن المتوقع أن تنخفص معدلات الفائدة في الفترة القادمة لدفع النمو الاقتصادي.
وأضاف الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه "بشكل عام الاقتصاد التركي لا يزال يواجه صعوبات، رغم تعافيه نسبيا مقارنة بحاله قبل الإغلاق".
المصدر : الجزيرة