النائب فتحي قرعاوي
هكذا وبدون استئذان ودون أدنى درجة من درجات الاحترام لحق الآدمي في الحياة, يقدم الطارئون علينا وعلى قضيتنا على اختطافكم من بيننا... من بين أسرتكم التي أحبتكم وربتكم على عينها ... من بين زملائكم الطلبة في فترة غالية عزيزة على كل طالب , هي فترة الحصاد , فترة الامتحانات, وكأنه المخطط المدروس والمرسوم انه ليس لكم ولا لأمثالكم الحق حتى في الدراسة والتفوق أسوة حتى بالأسرى داخل قلاع الأسر الصهيوني, إنها الحرب على العلم , وعلى المتعلمين , هكذا يراد للإنسان الفلسطيني الجديد أن يكون جاهلا فالتعلم والتعليم جريمة في نظر هؤلاء يجب أن تدفعوا ثمنها .
استذكر يا حمزة عندما اعتقلوك في المرة السابقة .. وضخموا الحدث , وبعد الشبح والتعذيب وإحداث أكثر من عاهة مستديمة لا زلت تعاني من آثارها ..اضطروا للاعتراف أن كل ما حصل كان خطأً مبنياً على مجرد تقرير من مندوب (مسكين) اعترف انه كاذب وبحاجة إلى مبلغ مئة شيكل , وبعد أربعين يوما كاملة ذقت فيها صنوفا من العذاب وقلة النوم, ناداك السجان بكل (حنيّة) تفضل يا حمزة ... إفراج.. مبروك ..سامحنا !!
اقتحام بيت ..وشتم .. واهانة لوالدتك وإخوانك, وتعذيب متواصل وتقارير كاذبة ثم بعد ذلك ما حصل خطأ غير مقصود, لكن هؤلاء لتعاسة حظهم ما فهموا كلمة (أشكوكم إلى الله) ...!!
استذكر يا حمزة عندما أرادوا اعتقالك في المرة الأخيرة كانوا أيضا في غاية الحنية واللطف والأدب والشفقة عليك وهم يتحدثون معك عبر الهاتف ويقولون ( كلها نص ساعة وعلى الأكثر ساعة وتكون في البيت) لقد قالها لك المدعو (.......) يا حمزة اقسم لك انك لن تتأخر أكثر من ساعة بل أكثر من ذلك لقد اتصل الوسطاء وأكدوا أن هذا الطلب لا يتعدى فتره زمنية بسيطة ثم تعود على جناح السرعة , ولما استشرتني في ذلك قلت لك أنا مع أن تذهب إليهم وان شاء الله أن الأمر بسيط.. وأنا اعتذر إليك ... لأننا هكذا تعلمنا وتربينا أن نظن بالناس الصدق مع علمنا أن هؤلاء يكذبون كما يتنفسون .
ساعة .. ساعة .. لقد انطلت الكذبة عليك وأنت الإنسان البرئ الذي لا يعرف إلا الصدق, حتى اتصلت أنت بالمدعو (...) وقلت له أنا بالبيت تعال خذني.
لم نودعك.. ولم نعانقك ..لأنك عائد إلينا بعد ساعة وتهيأنا أن نفطر معا في يوم عرفه .. وتهيأنا أن نعيّد معا.. فهذا أول عيد تجتمع العائلة فيه بعد اعتقالاتنا المتكررة واعتقالاتكم في سجون الاحتلال منذ سبع سنين.
وكم كانت صدمتنا انه بعد ساعة يذهب الذين اقسموا الإيمان على عودتك إلى بيوتهم وعائلاتهم ليعيّدوا وتأتينا الأخبار بعد تلك الساعة المشؤومه وعلى لسان شهود عيان انك في المستشفى (مكسّر) وتنزف دما ولقد حملوك وهذا الجسد - الذي طالما انتصب قائما طاعة لله عز وجل - لم يستطع الوقوف على قدميه .
بعد ساعة يا حمزة تنطلق الإشاعة والكذبة التي صدقوها والافك والافتراء انك ..وانك .. وانك .. وانك ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذباً) .
أما أنت يا حازم فأنت وحدك حكاية .. وان ما أصابك أشبه ما يكون بقصة قذف المحصنات المؤمنات الغافلات .. لقد كنت انظر إليك حين تسلّقت الأجهزة المشتركة سور بيتنا بعشرات من الجنود المسلحين والذين ( شحبرت وجوههم) وشرعوا أسلحتهم في وجوهنا, ثم اقتحموا غرف منزلنا غرفة غرفة في يوم عيد، كنت ترقب المشهد بصمت وعلك تراقب وتقارن وأنت الذكي اللماح .. وانه تم اعتقالك قبل خمس سنوات وبنفس الصورة لكن دون اقتحام الغرف ودون تفتيشها ....
لعلك حزنت وأنت ترى هؤلاء يفتشون حتى المخزن والحمامات ويعبثون بكل شئ .. حتى الصور الخاصة.. بل والملابس الخاصة .. اخذوا أوراقنا ومستنداتنا الخاصة ...وأجهزة الحاسوب حتى أشرطة الأناشيد والقران والأقراص المدمجة وخرجوا بالغنيمة ..وكنتَ معهم غنيمة .. ونعم الغنيمةَ أنت.. ولكن لمن يقدرها.
لم يفارق الحزن قلبك مذ اخذوا حمزة ولعل في اعتقالك كان تسرية لك وأنت تشارك حمزة ما أصابه .. لقد بلغني انك مشبوح في زنازين القسم العلوي سيئة السيط والسمعة وبلغني أنهم أهانوك وضربوك مع علمي انك لم تفتح فمك بأيّ رد كان ذلك لان سمتك هو الصمت وقلبك يشكوا إلى الله ظلم الظالمين.
اعرف انك نعم الرجل.. الذي لا تهتز له قناة .. وسجون كيشون.. والسبع.. ومجدو ..والنقب تعرف ذلك فيك وأنت الصابر الصامت في أصعب الظروف واحلكها ...لقد قالت لك أمك يوما وقد حدثتها عن تجربتك الاعتقالية ما احملك للظلم يا حازم وما أصبرك عليه !! ولكني أقول لك كما قال رسول الله صلى الله – عليه وسلم- كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبد الله الظالم.
كم حزنت يا حازم عندما علمت أنهم منعوا إدخال المصحف لك فأرسلت لك مصحفا آخر فعلمت أيضا أنهم رفضوا إدخاله لك ... نعم ...المصحف... وأنت تحمل في قلبك كتاب الله حفظته كاملا داخل سجون الاحتلال ..!! مفارقه عجيبة نضطر لذكرها: يمنعون أن يكون كتاب الله معنا في حين نحفظ كتاب الله في سجون أعدائنا.
ثم يغضبون ..( وينرفزون) من ذكر هذه المفارقات , لكنهم ماضون في الغي وفي الطريق الأسوأ, بل في الإمعان في الإساءة وعدم التعلم من الأخطاء .
مصرّون ألا يبقوا لأنفسهم حسنة واحدة ولا ذكر حسن , لقد نام العقلاء نومتهم وغابوا غيبتهم إلى غير رجعة وبعضهم عاد بالغنيمة والراتب والمنصب وما عاد يهمهم أي شئ بعد ذلك ..
الم يقلها احدهم ؟!! لقد ناضلنا وسجنّا وعذبنا والآن ها نحن نستلم منصبا رفيعا في هذا الجهاز دفعنا ثمنه غاليا ولن نفرط في هذا الانجاز حتى لو ذهب العالم كله إلى الجحيم..هكذا إذا !!؟
أما أنت يا براء فلك من اسمك نصيب ...براء .. إرادة الله وقدره, وقد قال لنا الكبار قديما أن المخلوق ينزل من بطن أمه وينزل اسمه معه .. وكانت حياتك كلها قائمة على البراءة في كل شيء , لقد دفعت ثمنا غاليا مع هؤلاء لا لشئ ولا لسبب إلا أن بيتك إسلامي وإخوانك حمزة وحازم .... اعتقلوك أيضا لا لشيء .. عبث ... كالذي يضع طائرا يتعلم عليه الرمي يلقي عليه سهامه والطائر الصغير يتمزق وينزف والمتدرب غاية في السرور ويقول فرحا لقد تعلمت الرمي ..! وهذا ملعون بنص الحديث فكيف بمن يحاول أن يكون رجلا بتعذيب الرجال؟؟!!
ثم أعادوا اعتقالك لتستفيق على نفسك في خدمات السجن في حالة الم ونزف شديد يرثى لها ثم تهدد في المرة الثالثة بأحكام قاسية إذا تحدثت عن تلك الحفلة القاسية التي أقيمت لك.
واليوم أنت معتقل.. هل تعرف لماذا!! اجزم انك لا تعرف وأنا أيضا لا اعرف وقد بلغني انك مشبوح في الزنازين والذي فعل ذلك بك لا يعرف لماذا أنت معتقل ومشبوح!!
أبنائي .. أحبائي.. حمزة ..وحازم.. وبراء .... أشهد الله أني فخور بكم ولعل اعتقالكم نوع من الحسد أن ميزكم الله بصفات ما استطاع الآخرون أن يتمثل بها أحدهم لنفسه ولا لأهل بيته ، ولكن لا تحزنوا ولا تهنوا فلقد تعلمنا وتعلمتم أن الأزمة كلما اشتدت وان الظلم كلما زاد اقترب الفرج.. اوليست هذه آية في كتاب الله , ونبوءة في أحاديث رسول الله ؟؟.
او ليست إرادة الله أن يكشف هؤلاء وتحق عليهم سنته سبحانه حتى إذا غادروا وذهبوا يذهبون غير مأسوف عليهم وليس لهم حسنة واحدة يذكرها الناس فكفاكم فخرا والجمع المبارك معكم أنكم أدوات الله وقدره في فضح الظلم وكشفه .
كفاكم فخرا وعزا أن كل من أحبكم يدعوا لكم ويدعوا على من آذاكم . إن الظالم الغبي هو من ينحر كرام الإبل ويبقي المهازيل فأبى هؤلاء إلا نحر الكرام والمتاجرة بالمهازيل .. آه يا فلسطين هكذا وصل الحال بنا أن يقودنا المواقيذ والمناطيح.
أحبائي يا فلذات الكبد : لا تنسوا أن معكم من كرام الرجال نجوم فلسطين وأقمارها , لم يشفع لهم مقامهم وفضلهم ثم كبر سنهم و مرضهم ولا سنوات الأسر الطويلة التي قضوها في سجون الاحتلال وفي الإبعاد وهذه من البشريات , فالأستاذ الجامعي غسان ذوقان لم يشفع له علمه وجهاده وثباته وسنوات أسره ومرضه فسيق في ظلمة الليل إلى حيث تعرفون , والدكتور عدنان مسوده ابن السبعين عاما والشخصية القيادية الإسلامية والاجتماعية واحد مبعدي مرج الزهور وطبيب الأنف والأذن والحنجرة المشهور والمريض بالقلب وآلام الظهر أن يحمل من بيته إلى حيث تعلمون , والداعية نبيل النتشه أبو النعيم وهو مختار عائلة النتشه من كرام عائلات فلسطين وهو من المجاهدين الذي شهدت له الزنازين الأيام والليالي الطوال واحد المبعدين والمصاب بمرض عضال , وعادل الجنيدي أبو عبد الله احد القيادات في العمل الإسلامي والاجتماعي والخيري احد مبعدي مرج الزهور والذي يعاني من مرض القلب وأبو بكر الحصري وطارق شهاب وسميح عليوي وعبدالحكيم قدح وعمر جبريني وفراس جرار ومجدي ابو الهيجا وعلاء ابو خضر وغيرهم وغيرهم وقائمة الشرف تطول, اقتيدوا في ظلمة الليل البهيم إلى حيث تعلمون , فحق لنا أن نعتز برجالنا كرام الرواحل الرجال الرجال وأكاد اقسم أن فجرهم قد بزغ .
أحبائي الكرام فلذات كبدي وحشاشة الروح أنا هنا لا أرثيكم فالرثاء لا يكون للرجال ، ولا اشتكي فالشكوى لا تكون إلا لله. استذكر في هذه اللحظات أيام كنتم أطفالا وكنت في سجن مجدو وكيف كان الشواش يدخلونكم لي في الزيارة من الطاقة الصغيرة ...هكذا وبهذه السرعة أصبحتم رجالا وأي رجال, وها انتم تتعرضون لما يتعرض له كرام الرجال بل وعظام الرجال فالصبر الصبر والثبات الثبات وان هذه الأيام لها ما بعدها ليميز الله الخبيث من الطيب , والباطل من الحق , ولا بد للمظلوم يوما أن ينال ما أراد , أنها سنة الله وقانون رب العباد وسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم, وهو الذي أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.