الصحفي محمد سـلامة
أُفرج عن الشيخ رائد صلاح, اعتقل الشيخ رائد صلاح , وها هو يفرج عنه من سجون الاحتلال وربما يعود إليها مرغما- ليس تمنيا بمكروه, وإنما هي ضريبة يجب دفعها من قبل كل حر يؤمن بعدالة قضيته, فهنيئا لك يا شيخ رائد وأنت حر طليق, وهنيئا لك وأنت حر أسير, ولا ضير يا شيخ في أنهم منعوا عنك المُزين (الحلاق) من قص شعرك وتهذيب لحيتك, فأنت جميل بهيئتك التي خلقك الله عليها ولن تتغير في نظرنا , عرفناك جميلا بخلقك وحسن معاملتك , جميلا بصبرك وصمودك ولباقة حديثك .
لقد خرج الشيخ رائد صلاح من السجن عزيزا كريما مرفوع الرأس , شامخا عنيدا صلب المراس , مصمما على أن يعود المرة تلو المرة ليدافع عن قبلة المسلمين الأولى, غير آبه بما يُحضر له من اتهامات وتلفيقات تلقي به في مهاوي الردى , كيف لا وهو الذي علمنا وبشرنا بأن السجن للمؤمن خلوة , خلوة يُذكر فيها اسمُ الله تعالى بكرة وعشيا تلاوة وقياما وصياما وذكرا , فالسجن مدرسة لمن أراد أن يستفيد منه, بل هو جامعة لمن أراد أن يتخرج منها, وفي المقابل هي صفعة للعدو الإسرائيلي بأن الزنازين التي أردتم من خلالها كسر إرادة الرجال وقهرهم فيها وتحطيم نفوسهم هي الآن منارة للعلم والهدى ومصابيح لأولي النهى, فلا غرابة أن ننهل من علم ِصيغ في عتمة الليل بروح الشيخ رائد ونَفَسِه الذي استطاع رغم الضيم تأليف ثلاثة كتب في مدة زمنية لا تتعدى الفصل الدراسي الواحد , فهذا حال من سبقه من الأسرى العظام الذين أتموا حفظ كتاب الله, وأصدروا مناهج تدرس في جلسات الذكر والمقاومة, بل وحصلوا على شهادات علمية عليا في المعتقلات.
لا شك أن الشيخ رائد صلاح بات اليوم يمثل رمزا من رموز الأمة الإسلامية والعربية قاطبة, لأنه بكل بساطة يمثل شيخ الأقصى , ومثل هذه المنزلة الرفيعة لا يمكن نيلها إلا بدفع ضريبة غالية كغلاوة القدس في كتاب الله, فأمثال هؤلاء الرجال يكاد يصدق فيهم قول الله عز وجل ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين).
إن ما يتعرضُ له الشيخ رائد صلاح وإخوانه المنافحون عن القدس والأقصى لهي رسالة واضحة المعالم لكل المراهنين على تسوية ملف القدس, بأن الاحتلال لن يسمح لأي كان أن يفاوض على المدينة المقدسة باعتبارها عاصمة أبدية لما يسمى الشعب اليهودي, فإذا كان الشيخ رائد وإخوانه يقامون الاحتلال بكل ما أُوتوا من حناجر وخناجر قُدرت لهم وكان نصيبهم الطرد والإبعاد والحرمان, فكيف بمن يراوغون ويناورون بلا قوة ولا صوت ويعتقدون أنهم قادرون على فعل شيء, متسلحين بما يسمونه سياسة الإحراج الدولي التي تضع إسرائيل في مأزق !! و إن ما يضحك من البلية أن بعضا من أبناء شعبا يعتقد أن الاحتلال وُضع في زاوية ووقع في حرج لن ينقذه منها إلا الإذعان لمطالبنا, وكأننا نعيش قصة حب وغرام وهناك من يمن على الأخر أو يتمنع عليه, والأدهى من ذلك والأمر أن من يعتبر أن إسرائيل تعاني عزلة دولية نسي أن وزير حربها قاتل الأطفال قبل المقاومين يتصدر منبر الأمم المتحدة قبل أيام بكل ترحاب ويقابل أمينها العـام ويعلن على الملأ: أنه لا مفر من تقسيم القدس إلى أحياء وكنتونات حتى تُسهل الطريقُ للمفاوضات, وكأني به يقول:"لكم في القدس جزء ولنا تسع وتسعون, فإذا أكفلتمونا إياه فلكم حُسن الخطـاب" , أرأيتم كم هو الكرم الإسرائيلي يسيل علينا ويُغرقنا في وحل الإحراج الدولي ونحن لا ندري ماذا نفعل!! وللأسف لم نكن أول المعترضين على طرحه البائس فنحن لا نحسن الردح إلا على بعضنا, بينما كان الرد سريعا وغير متوقع من رئيس حكومته بنيامين نتنياهو عندما قال: " أن ما تلفظ به بارك لا يمثل إلا حزبه وفكره الخاص".. مع أن هذا الفكر هو ما يسعى له الكيان الغاصب حاليا في القدس المحتلة .... فبالله عليكم من الأحق بالاحترام والتقدير؟ المحافظون على هويتهم وتاريخهم المزيف بقوة السـلاح والقهر, أم الذين يلهثون وراء مجتمع دولي لا يحترم إلا القوي.
الذي ينبغي أن يُفهم _ يا سـادة _ وتتعلموه جيدا من نهج الشيخ رائد صلاح أن من أراد الحصول على اللوزة ينبغي عليه كسر النواة, ولا شيء يتم دون جهـاد إلا الفقر, وأن مجد الأمم لا يبنى إلا على رؤؤس الشهداء الذين يرسمون التاريخ ويخطوه بمدادهم , ويتركون لمن خلفهم المجـال ليحملوا الراية ويواصلون الطريق, فإذا لم نستطع اليوم فغـدا.
لا أقول ذلك من مجرد التهكم والسخرية فالنصر قادم لا محالة والقدس ستحرر بنا وبغيرنا ولا ريب في ذلك, إلا أن التاريخ ماض لن يوقفه جور جائر ولا عدل عادل, والكثير من الأمور ستتذكرها الأجيال تلو الأجيال وما يرسخ في الأذهان هي المواقف المشرفة التي تعتز بها الأمة, وإني لأرى الشيخ رائد صلاح واحد من أولئك الرجـال الذين لا تزيدهم المحن إلا جلدا و صبرا وثباتا وتمسكا بالحق, وهذه الصفات لا نراها إلا في أقوام أشار إليهم المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف حينما قال "الناس كالإبل المائة .. لا تكاد تجد فيها راحلة " فهل من رواحل غيرك يا شيخ رائد؟