في جو برد وصقيع، وبينما كان أهالي القدس ينتظرون عاصفة ثلجية على الأبواب، كانت عائلة كرامة تنتظر الجرافات الإسرائيلية في عراء شديد البرودة.
قرار بدأت بتنفيذه معاول الهدم بأمر من بلدية الاحتلال لتكمل ممارستها هواية الهدم تحت مرأى العالم الذي يبدو كأنه أعطى الضوء الأخضر لتشريد المقدسي ما استطاع، عائلة صالحية ثم عائلة كرامة، ثم تحويل البيوت القديمة إلى المستوطن والاستيطان.
قطع أثاث بيت عائلة كرامة متناثرة على طريق قرية الطور، بعد أن أخرجوا ما يمكن إخراجه حينما عرفوا أن جرافات الاحتلال قادمة وفي طريقها لهدم المنزل.
هنا بعض النوافذ، وأجهزة كهربائية، وبراميل مياه، وطاولات، وجهاز تكييف قد يصلح لشيء ما، وكل ما استطاعوا أخذه من ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية، وجزءاً من جهاز عريس كان من المفترض أن يزف بعد شهرين، وعائلة رقدت على قارعة الطريق دون مأوى.
كان محمد كرامة يوصل أبناءه إلى المدرسة حينما هاتفه الجيران وقالوا له: "هناك الكثير من القوات والجرافات أمام بيتك، وحينها توجه إلى بيته مسرعاً فأخبروه أنهم سيهدمونه.
يقول: "أخذت أمراً بتأجيل الهدم، ولكن البلدية لم تلتزم بالقرار، وأكملوا عملية الهدم، ثم دخل الاحتلال "بالدبسات" وقنابل الصوت والرصاص الحي، ضربوني وأطلقوا النار على عائلتي".
ويتابع: أصابوا عشرة من العائلة والجيران، وبين صرخات الأطفال هدموا المنزل، ومنعوا سيارات الإسعاف من الدخول، واعتدوا على طواقم الصحافيين والمسعفين".
هدموا البيت وكبّر الأهالي والجيران بصوت يقطع نياط القلوب وهم يرون أول حجر ينهار بعد أنتنغرس فيه معاول الهدم الآلية وكأن دولة الاحتلال تخصصت منذ سبعين عاماً في هدم أحلام الفلسطينيين والسعي لجعلهم دون مأوى.
تستعد عائلة كرامة لزفاف ابنهم بعد شهرين، وتحديداً في السادس عشر من مارس القادم، لكن الاحتلال اعتدى عليهم وهدم المنزل، وهُدمت معه راحة العائلة وشقاء السنوات وآلاف من النقود وضعت في حجارة كانت حلماً وتقدر بمليون شيكل.
معظم الأبنية في منطقة الطور بينيت دون تراخيص نتيجة الإهمال المتعمد والمماطلة من سلطات الاحتلال وعلى رأسها البلدية التي ترفض إقرار مشاريع تنظيمية وبنية تحتية في المنطقة يمكن بموجبها استصدار تراخيص ببلدة الطور التي تضاعف عدد سكانها 8 مرات منذ عام 1967.
وتبلغ مساحة الطور، حسب معهد القدس للدراسات الإسرائيلية، 2,000 دونم حالياً بعد الاستيلاء على 6000 دونم من أراضيها عقب الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
وتعد الطور واحدة من المناطق التي يستهدفها الاستيطان، لبناء حدائق وطنية تعتمدها من سلطة الطبيعة التابعة للاحتلال، وتطوق البلدة لمنعها من التوسع وفصلها عن محيطها العربي في بلدات الزعيم وعناتا والعيزرية، فيما أقر الاحتلال شبكة شوارع من جهات الطور الأربع لفصلها كلياً عن المدينة في خطة تهويدية محبوكة باتقان.