قائد الطوفان قائد الطوفان

من الشيخ جراح إلى جبل المكبر.. الاستيطان المسعور 

غزة-رشا فرحات 

شعفاط، الشيخ جراح، البستان، بطن الهوى، وادي الجوز، البلدة القديمة، سلوان، جبل المكبر كل هذه الأحياء ذات غالبية عظمى من الفلسطينيين إذ تبلغ نسبتهم 96%، وما تبقى هي نسبة المستوطنين، رغم كل هذه السنوات من الاحتلال.

في تلك الأحياء يتشبث السكان ببيوتهم؛ لأنهم يعلمون أن الاحتلال لو نجح في تهجير أيٍ منهم، سينتقل لتهجير آخرين، فالتهجير سياسي وهدفه التوسعة الديمغرافية لصالح المستوطنين.

في العام الماضي، ركز الإعلام على قضية الشيخ جراح، وما تبعها من حملة عالمية انتهت بحرب على غزة، ما جعل الاحتلال أمام مفترق محرج، ليؤجل الحكم في القضية، بل وبدأ يبحث عن تسوية، ولكن حتى الآن لا زال أهالي الشيخ جراح يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفاً من إنهاء ملفهم بمسح كامل للحي، خاصة مع ازدياد عمليات الهدم حولهم التي كان آخرها بيوت عائلتي الصالحي وكرامة.

سرعة الوتيرة التي يجري فيها الاستيطان في الشيخ جراح هي ذاتها في جبل المكبر الآن، وبالأمس فقط هدم أخوان من عائلة شقيرات في جبل المكبر شقتيهما لا تتجاوز الواحدة منهما ثمانين مترًا، بالإضافة إلى دفعهم آلاف الشواكل غرامات مالية ومحاكم وأجرة محامين.

في هذا العام قررت (إٍسرائيل) بناء 3 آلاف وحدة استيطانية في كل من بيت صفافا وجبل أبو غنيم جنوبي القدس، وفي الشمال ستستمر محاولات إتمام المشروع الاستيطاني الضخم في منطقة أرض مطار قلنديا الدولي سابقاً، ببناء تسعة آلاف وحدة استيطانية لدعم المشروع السياحي اليهودي الأكبر.

وفي محيط البلدة القديمة، سيستكمل الاحتلال مخطط "مركز مدينة القدس الشرقية"، وسيقضي هذا المشروع على كل المعالم التاريخية الأثرية في منطقة باب العامود، لأنه سيأكل في طريقه مربعاً ضخماً من الأراضي والأسواق بدءاً من منطقة باب العامود مروراً بشارعي السلطان سليمان وصلاح الدين الأيوبي وجزءٍ من حي الشيخ جراح وآخر من المنطقة الصناعية في وادي الجوز.

أما في سلوان (جارة المسجد الأقصى)، سيواجه نحو 7 آلاف مقدسي من سكانها خطر التهجير القسري بسبب تهديدهم بهدم منازلهم في كل من حي وادي حلوة والبستان ووادي ياصول وعين اللوزة ووادي الربابة، والحجة جاهزة: البناء دون تراخيص، والهدف الحقيقي إقامة مشاريع استيطانية مكانها.

وفي حي بطن الهوى تعمل جمعية "عطيرت كوهانيم" على قدم وساق في الترويج لرواية ملكية الأراضي والبيوت لأصول يهودية ستحاول لأجل روايتها إجلاء 726 مقدسياً يعيشون على مساحة 502 دونم مربع.

فخري أبو دياب المختص بقضايا الاستيطان في القدس لفت إلى أن مشاريع الاستيطان تسير بسرعة جنونية في القدس، حتى وإن ظهر أن الاحتلال يتجاهل أو يؤجل بعض المشاريع كما يحدث الآن في الشيخ جراح.

وبحسب أبو دياب، فإن (إسرائيل) إذا توقفت عن التوسعة في الشيخ جراح، فهي بالتأكيد تعمل في منطقة أخرى دون إعلان، والاستيطان يسير وفق خطة تهويدية دون تنازل، لأنه يريد تغيير الوجه الحضاري الإسلامي والعربي في القدس ورسم خارطة جديدة".

ويرى أن الاحتلال ينتظر فرصة سانحة للانقضاض، فهناك مشاريع تأجلت، ومشاريع رُصدت لها ميزانيات، ولكن في كل مرة يعمل الاستيطان بالوتيرة ذاتها.

ويحاول الاحتلال -كما يقول أبو دياب- أن يوجه نظر الإعلام حول موضوع أو مشروع حتى يلهيه في الحديث عنه، خاصة أن الإعلام دائماً يبحث عن الجديد ولا يريد الحديث في قضايا تحدث عنها عشرات المرات، وهذا ما يراهن عليه الاحتلال.

ويضيف: "رغم أن مشروع الشيخ جراح هو المشروع الأكبر والأكثر استهدافا من الاحتلال، إلا أنه تأجل وذهب الاحتلال للخان الأحمر ليلفت نظر الإعلام نحوه، ولكنه في الوقت ذاته هدم منزل عائلة صالحية في الشيخ جراح".

بعد معركة سيف القدس، زادت وتيرة الاستيطان لكن بصورة خفية خوفاً من ردة فعل العالم بسبب حراك القدس وغزة فجُمد الاستيطان، لكن الاحتلال عندما شعر أن هناك فتورا وتراخيا إعلاميا استغل الفرصة ليزيد وتيرة الاستيطان أضعافاً مضاعفة ورصد ميزانيات ضخمة نراها تُطبق على أرض الواقع وكأنه يسابق الزمن لتهويد القدس، على حد تعبير أبو دياب.
 

البث المباشر