قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: عقد المجلس المركزي بدون توافق استكمال لتقويض منظمة التحرير

صورة "أرشيفية"
صورة "أرشيفية"

صلاح عبد العاطي

مر النظام السياسي الفلسطيني بمراحل عدة منذ توقيع اتفاق أوسلو، وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية، كما شهد تغييرات جوهرية شملت قضايا استراتيجية تتعلق ببنيته وآليات عمله ومستقبله؛ هذا التحول كان له أثره على طبيعة السلطات الثلاث واختصاصها في السلطة الوطنية. وشملت التغييرات أيضاً مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت على امتداد خمسة عقود الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، والإطار الموحد للقوى السياسية الفلسطينية، على أن تعتبر مؤسسات السلطة الوطنية نظاماً فرعياً انبثق عن المنظمة وأسس بقرار منها فيما الممارسات العملية اللاحقة سارت باتجاه إعلاء أمر السلطة الوطنية وإضعاف وتغييب دور المنظمة.

فالنظام السياسي الذي انبثق عن اتفاقيات أوسلو في الأراضي الفلسطينية، استمر يعمل وفق اسس النظام الرئاسي حتي عام 2003، عندما تم استحداث منصب رئيس وزراء من جراء الضغوظ الخارجية والداخلية ليتحول الي نظام مختلط "شبه رئاسي"، فهو رئاسي من ناحية إذ يجعل انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة، وهو برلماني من ناحية أخرى إذ يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان ويجب أن تنال ثقته، رغم ان التعديل حينها في القانون الاساسي لم يعيد تهئية النظام ليتلائم بالكامل متطلبات الانتقال الي نظام مختلط كما النظام الفرنسي ،  وقد أشار القانون الأساسي في المادة (5) إلى أن ”نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، وينتخب فيه الرئيس انتخاباً مباشراً من قـبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني“.

 وخلال فترة الانقسام شهد النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطيني ، سلسلة من الخطوات والإجراءات، جعلت النظام الساسي المنصوص عليه في القانون الأساسي وقانون الانتخابات حبراً على ورق. كان من نتاجه شرخ وانقسام في السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، حيث خضعت السلطات في قطاع غزة لسلطة وتفرد الحزب الواحد "حركة حماس". فعلى المستوى التشريعي قامت كتلة التغيير والإصلاح بسن سلسلة من القوانين بطريقة غير دستورية ينحصر تطبيقها على قطاع غزة، كما قامت بإنشاء جهاز قضائي منفصل ومستقل عن الجهاز القضائي في الضفة الغربية، وتفردت بالسلطة التنفيذية بكل وزارتها وأجهزتها الأمنية. أما رئيس السلطة الوطنية، فقد اتخذ مجموعة من الإجراءات والقرارات، التي تصب باتجاه تكريس كل السلطات بيده، ومن أخطرها قرار "حل المجلس التشريعي خلافا لأحكام القانون الأساسي، والسيطرة على السلطة التنفيذية من خلال تعيين وإقالة الحكومة والوزراء، والتحكم الفردي في الجهاز القضائي عبر تعيين وإقالة القضاة. آخرها كان صباح يوم الأحد الموافق: 15 سبتمبر 2019 عندما أصدر الرئيس قرارات بإحالة عدد من القضاة للتقاعد المبكر، كتطبيق للتعديلات التي أجريت على قانون السلطة القضائية، وذلك بموجب قرار بقانون صدر بتاريخ: 18 يوليو 2019، الذي عدل قانون السلطة القضائية لجهة تخفيض سن تقاعد القضاة الى (60 عاماً).

ولقد ترافق مع القرار بقانون المشار إليه أعلا، قرار أخر حل بموجبة مجلس القضاء الأعلى الحالي، وإنشاء مجلس قضاء أعلى انتقالياً لمدة عام واحد، يتولى خلاله مهام مجلس القضاء الأعلى ، ساقت في حينه السلطة التنفيذية العديد من المبررات لهذين القرارين، من بينهما إنهما من بين التوصيات التي خلصت لها اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة، وذلك نتيجة التراجع المطرد لثقة الجمهور بأداء السلطة القضائية وفقا للتقارير والإحصائيات والمسوح الرسمية والمجتمعية، وطول أمد التقاضي وتراكم القضايا المدورة، وتردي الأوضاع الداخلية، وفشل مجلس القضاء الأعلى الحالي في وقف التدهور المتسارع في القضاء وإصلاحه والنهوض به، واستجابة للمطالبات المتكررة بإصلاح القضاء  من المؤسسات الرقابية الرسمية والمجتمعية بما فيها القضاء ذاته.

والأخطر من كل ذلك، قام الرئيس بتشكيل وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية، بهدف إصدار الفتاوى الدستورية المخالفة لأحكام القانون الأساسي، لتثبيت سلطته وهيمنته الفردية على السلطات الثلاث، من بينها فتواها بصلاحية الرئيس حل المجلس التشريعي ورفع الحصانة عن النواب. ومنح صلاحياته للرئيس، لتصبح المحكمة الدستورية التي يفترض بها حماية وحراسة أحكام القانون الأساسي بنظامه السياسي وحماية حقوق الإنسان، تدوس القانون وتخرج احكامها  بما ينسجم  ويخدم الرئيس في خلافاته السياسية، كما ان الرئيس بات من يسن ويعدل القوانين بقرارات، كما يعيين ويقيل القضاة، ويقطع رواتب الموظفين ويخفضها، وهلما جرى.

وذات المشهد يتكرر بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث اتبع الرئيس نفس السياسة في تكريس سلطته الفردية، من بينها المماطلة في دعوة الإطار القيادي للاجتماع، وتعطيل إجراء الانتخابات العامة وعدم احترام اتفاقيات اصلاح وتطوير المنظمة في القاهرة 2015، وبيروت 2017، بعقد مجلس وطني توحيدي ،  حيث بات الرئيس متفرد في كل المؤسسات الوطنية والدستورية وبات يمثل العقبة الرئيسية في إصلاح المنظمة وتطويرها، إضافة لمعاقبة التنظيمات المنضوية في المنظمة عبر وقف حقوقها المالية في حال مخالفتها له.

في ضوء ما تقدم  احكم الرئيس عباس قبضته وسلطته المطلقة على كل مؤسسات النظام السياسي برمتها، كما وتجاوز التوافق الوطني واتفاقات القاهرة 2005، و2011، و2017، وتفاهمات بيروت 2017، والتي تضمن اصلاح مؤسسات النظام السياسي واستعادة الوحدة، حيث قام بإعادة تشكيل مؤسسات منظمة التحرير وبصورة شكلية، وفق بناء يضمن تفوّقه ومجموعة صغيرة من قيادة حركة فتح وبعض قادة الأجهزة الأمنية، للإمساك بكل خيوط النظام، كي لا يترك أي أمر للصدفة في تكريس تفرده، ومصالحه ورؤيته ولضمان الإعداد للمرحلة التي تليه.

تأسيسا علي ما سبق تأتي عقد جلسة المجلس المركزي بعيدا عن التوافق، ورغم معارضة وزانة من القوي السياسية والشخصيات الوطنية في سياق سياسية الهيمنة والتفرد ، ولعل أخطر اشكال تقويض منظمة التحرير هو تفويض المجلس الوطني الذي تم عقده بعد إعادة تركيبه علي طريقة الهيمنة، لصلاحيات المجلس الوطني للمجلس المركزي بالكامل، وتفويض المركزي صلاحياته بالكامل الي لجنة مستحدثه تسمي لجنة عليا مكلفة بتنفيذ قرارات المجلس المركزي. وتضم اللجنة العليا أعضاء من اللجنة التنفيذية للمنظمة، واللجنة المركزية لحركة "فتح" ومسؤولين في الحكومة، وقيادات في الأمن ومن غير المعلوم أعضاءها وعددهم  ، فضلاً عن أن صلاحية هذه اللجنة غير معروفة وكذلك مرجعيتها، وحتى هذه اللجنة على ما يبدو من وقائع قد فوضت صلاحياتها للرئيس، وحتى اللجنة التنفيذية تحولت الى لجنة استشارية لا يؤخذ برأيها، اضافة الى قطع مخصصات التنظيمات المعارضة من الصندوق القومي ، اضافة الي تهميش مؤسسات المنظمة  لتصبح الصورة اقرب الي حكم ملكي مطلق يقوم على التفرد المطلق للرئيس، بكل مؤسسات منظمة التحرير لضمان هيمنة نخبة متنفذة في حركة فتح والرئيس عليها ، في سياق الصراع علي المراكز القيادية ومرحلة ما بعد الرئيس ، وليس بعيدا عن ذلك ما جري من لقاءات مع بعض قيادات الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية في سياق الاتفاق علي بقاء الحال علي ما هو عليه بل وزيادة مستوي التنسيق مع الاحتلال فيما يعرف بالسلام الاقتصادي واعطاء فرص بناء الثقة وتعزيز الشراكة الأمنية والاقتصادية ، بما يفتح لاحقا  فرص لعملية تسوية بدون أي ضمانات وبدون اي افق وخاصة في ظل توسيع الاستيطان الاستعماري وتهويد مدينة القدس والحصار والعدوان علي قطاع غزة ، واستمرار جرائم الإعدام الميداني والتهجير القسري والفصل العنصري ، وأعلن قادة الاحتلال جهارا نهارا عن عدم موافقتهم علي أي من الحقوق الوطنية الفلسطينية وحتي رفض اللقاء مع الرئيس ابو مازن،  الذي لا يزال يراهن علي مسار التسوية ، ويضع الاشتراطات والعراقيل أمام أي شراكة مع مختلف القوي السياسيه وحتي قيادات وازنة في حركة فتح وإصراره علي التحكم في إدارة كل الشأن العام وفق رؤيته المنفردة والتي اثبت الوقع فشلها علي مختلف الصعد.

وليس بغريب عن الرئيس، عدم القيام بواجبه واختصاصاته المتفق عليها في اتفاقيات المصالحة بدعوة الإطار القيادي للاجتماع، لأنه حسم خياراته بالحكم المطلق. فلازال شعار إصلاح ودمقرطة منظمة التحرير، يلقى قبوله لدي الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ولازالت التنظيمات تتمسك به باعتباره المخرج لإعادة الاعتبار لمكانة ودور المنظمة من جانب، وللمشروع الوطني من جانب أخر، وللهوية الجامعة والموحدة من جانب ثالث، الا أن الرئيس يعطل هذا الحلم، ويتخذ من الإجراءات التي تعزز الشرذمة والتهميش للمنظمة، وتكريس سلطته المطلقة عليها. على الرغم من أن المنظمة قد تأسست لتوحد شعبنا، وإخراجه من التيه بعد هزيمة 1948، ومثل ميثاقها العقد الاجتماعي لشعبنا. وفي ظل رئاسة أبو مازن للمنظمة، انفرط - للأسف- هذا العقد، وعاد شعبنا للحالة التي عاشها قبل انطلاق المنظمة في العام 1965. وأصبحنا أمام منظمة تمثل شخص رئيسها، وتخضع تركيبة مؤسساتها لاختياراته التي تتوافق معه، وباتت مؤسساتها تتنازل عن اختصاصاتها لصالحه وتخضع لسلطته المطلقة، وباتت وجهتها مجهولة، وعقدنا الاجتماعي في خبر كان، كما وبات من الواضح تماماً، استحالة تحقيق شعار إصلاح ودمقرطة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي استعادة مكانتها المحلية والعربية والدولية في ظل قيادة الرئيس أبو مازن لها، وفي ظل هشاشة هياكلها، التي تسهل هيمنته وتفرده بها.

واننا – في هذه الاثناء- نرفض ما يجري من تحضيرات لقرارات تستهدف النيل من صلاحيات المجلس الوطني الأصليه وندعوا كافة القوي والشخصيات لمقاطعتها، كما اننا نرفض التعيينات في رئاسة المجلس الوطني باعتبار انها تمت من جهات فقدت شرعيتها، كما اننا نعارض بشده دعوة المجلس المركزي للانعقاد، لأن انعقاده هو سحبٌ لصلاحيات المجلس الوطني، ومساسٌ بدوره.

وخاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ قضيتنا الوطنية، فإننا ندعوكم جميعا  للوقوف صفاً واحداً في وجه سياسة الهيمنة والاقصاء والتفرد بالقرار الوطني الفلسطيني، وندعو كافة القوي والشخصيات لمقاطعة جلسة المجلس المركزي بما يعزز فرص نجاح الجهود الجزائرية والمصرية لاستعادة الوحدة وندعو إلى:

إجراء انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية وبلدية ونقابات واتحادات شعبية وطلابية مع إيلاء الأهمية  لانتخاب مجلس وطني جديد يمثل شعبنا الفلسطيني في شتى بقاع الأرض، ويوحد نضالاته في كافة أماكن تواجده تحت مظلة واحدة؛ مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية وفي الشتات، وفق استراتيجية تحررية تحمي وجودنا وحقوقنا الوطنية الثابتة وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني الذي هو  بكل ابناء وبنات شعبنا بالتحرك بكل الوسائل السلميه المشروعه لاحباط مساعي التفرد بالقرار الوطني وسلب صلاحيات هيئات منظمة التحرير تمهيداً للتخلي عن الحقوق الوطنيه الثابته.

البث المباشر