لم تتوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الحرم الإبراهيمي ومدينة الخليل عند المجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، الذي وقف فجر الجمعة الـ 25 من فبراير الموافق الـ 15 من رمضان 1415 للهجرة، خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش عليهم.
ولا تزال تلك المجزرة، التي أدت لاستشهاد 29 مصلياً وإصابة 15 آخرين، قبل أن ينقض مصلون على غولدشتاين ويقتلوه، شاهدة حتى هذا اليوم على حجم الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
ويمكن القول إن المجزرة كانت البداية لمخطط الاحتلال لارتكاب جريمة تطهير عرقي للفصل والعزل وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة لبناء "مدينة الخليل اليهودية" إذ تعطلت حياة الفلسطينيين بالأزقة بعدما قررت حكومة الاحتلال إغلاق البلدة القديمة بشوارعها وأسواقها، وتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود.
ووظّف الاحتلال "اتفاقية الخليل" المبرمة مع السلطة الفلسطينية عام 1997 لتعميق الاستيطان بالبلدة القديمة التي يسكنها نحو أربعين ألف فلسطيني، وهي المصنفة بـ "إتش 2" وتقع تحت سيطرة إسرائيل الأمنية، ويحتلها كذلك نحو 35 ألف يهودي موزعين على 27 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية والعسكرية بالبلدة القديمة ومحيط محافظة الخليل التي يسكنها قرابة خمسمئة ألف فلسطيني.
الأحقاد الإسرائيلية ضد الحرم الإبراهيمي ومدينة الخليل عموماً لا تقتصر على سلطات الاحتلال وحدها، بل تضرب بجذورها عميقاً في نفوس غالبية المستوطنين الـ 400 الذين يحتلون المدينة تحت حراسة 1500 جندي إسرائيلي.
وضمن عمل منهجي مدروس لتبديل هوية المسجد الإبراهيمي التاريخية والدينية والمعمارية، كانت وحدات الهندسة التابعة لجيش الاحتلال قد باشرت سلسلة مشاريع لإقامة مصعد وجسر ومسالك اقتحام للمستوطنين.
وانطلقت تلك المشاريع بقرار من نفتالي بينيت حين كان وزير الحرب في حكومة بنيامين نتنياهو قبل عامين، ضمن محاولات السيطرة وبناء ما يسمى بمدينة الخليل اليهودية.
ويؤكد الناشط في مدينة الخليل أحمد جرادات، أن سعي الاحتلال الإسرائيلي لتهويد الحرم الإبراهيمي ليس بالأمر الجديد حيث يسيطر الاحتلال على 60% من مساحته منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994م حيث تم تقسيمه لأول مرة في التاريخ.
ويضيف الناشط جرادات في حديث صحفي أن الاحتلال صادر الحديقة التابعة للحرم وأنشأ مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية حوله وشدد قيوده التي تحول دون وصول الفلسطينيين للحرم.
وشدد على أن التهويد لا يقتصر على المستوطنين بل يشمل المستوى الرسمي، إذ دنس رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو الحرم مرات عديدة، وتحدث عن الرغبة في السيطرة عليه، لافتاً إلى أن الاحتلال يريد تهويد الحرم والبلدة القديمة بالكامل.
وأشار إلى أن سياسة الاحتلال تعتمد على سياسة فرض الأمر الواقع ثم ترسيم ما فُرض، "فمن يتحرك داخل البلدة القديمة يشعر أنه غريب في بلده، فالمحال والمرافق الفلسطينية مغلقة وحواجز الاحتلال منتشرة في كل مكان".
وبين جرادات أن أهل البلدة القديمة في الخليل تُركوا وحدهم في حالة مواجهة مباشرة مع التهويد الإسرائيلي.