حلت الذكرى السنوية الثانية للحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، وخلال أقل من شهرين سيدخل "يوآف غالانت" منصبه كرئيس الأركان رقم 20 في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وهو الذي أدار وقاد عملية (الرصاص المسكوب) في يناير 200.
وفيما تحل هذه الذكرى قال مصدر كبير في الجيش: "المسألة ليست هل ستحدث عملية واسعة جديد في غزة، ولكن المسألة هي متى ستحدث؟".
وهكذا يمر عامان بعد العملية، ويبدو أن حقيقة أن من سيقف على رأس الجيش قريباً الذي شكل العنصر المتشدد في أيام الحرب، وتعجل بإسقاط سلطة حماس، سيمنح صناع القرار ثقلاً واضحاً حين يضطرون لاتخاذ قرار بشن معركة عسكرية أخرى في غزة.
فقد قال "غالانت"، وفقاً لما ذكره المراسل العسكري "حانان غرينبرغ"، مؤخراً أن الرصاص المسكوب لم تحل مشكلة الجنوب، ومن جانب آخر، تقول مصادر عسكرية أنه من مقعد القائد رقم واحد، ستبدو الأمور بالنسبة له مختلفة في حال اندلعت حرب أخرى مع حماس، وهي مسألة وقت، والسؤال هو: ما الذي يمكن أن يشعل النيران من جديد في القطاع؟
* القط والفأر
وترى الأوساط العسكرية أنه على الرغم من سخونة الأوضاع مؤخراً، فإن نظرة إلى المعطيات الإحصائية، تشير إلى وجود شكوك في أن قطاع غزة نموذج 2010 كان هادئاً بشكل نسبي، فقد أطلقت 367 قذيفة باتجاه "إسرائيل" عام 2009، وعدد مماثل في العام الذي سبقه، وأقل من 30 قذيفة سقطت في مناطق مبنية، وأدت إلى عدد من الإصابات الطفيفة، وبالمقارنة، ترى ذات الأوساط أنه في عام 2008 سجل سقوط 3276 صاروخاً، وفي عام 2007 سقط 2533 صاروخاً.
كما أن التراجع في حجم العمليات المسلحة القادمة من غزة هو الاختيار الأفضل للمنظمات الفلسطينية، وإلى جانب الأعداد المنخفضة، تتعاون حماس بتنفيذ عمليات في محيط الجدار الأمني، وبالنسبة لها، هناك شرعية تامة لاعتداءات من هذا النوع، وفي الأسابيع الأخيرة تزايدت وتيرة إطلاق الصواريخ باتجاه "إسرائيل"، ما يمكنه أن يدل على وجود تصدع في الردع، ويقول ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية: لولا العمليات التي يقوم بها الجيش والشاباك، لكانت الكثير من المحاولات ستنتهي داخل "إسرائيل"، ولكنا اليوم في واقع آخر.
قيادة الجيش الإسرائيلي لم تتجاهل ما تسميه بـ"صيد القذائف"، أي هجمات ضد الخلايا قبيل إطلاق الصواريخ، ومؤخراً شن سلاح الجو هجوماً في أعقاب تحديد خلية تضم خمسة مسلحين، كانت تستعد لإطلاق صواريخ من منطقة دير البلح وسط قطاع غزة.
هذه الأجواء دفعت بعض الضباط إلى وصف ما يحدث الآن بأنه "حرب مصغرة"، فحماس تجمع معلومات استخباراتية، وتدرس القوات طيلة الوقت، الأمر الذي سيكون حاسماً في الحرب القادمة.
وفرقة غزة، الأكثر اهتماماً بما حصل في غزة بعد عامين على الرصاص المسكوب، يعمل قائدها "يوسي باخار"، على منع الكشف عن نقاط الضعف الإسرائيلية، ومن معطياتها يتضح أنه منذ نهاية الحرب قتل 100 مسلح عند الجدار الأمني، ولا يمر تقريباً أسبوع بدون كشف عبوات، وفي بعض الأحيان يتعلق الأمر بمنطقة كاملة من العبوات، وإطلاق باتجاه الجدار من قبل قناصة أو خلايا تحاول اختبار يقظة القوات الإسرائيلية.
المحلل العسكري الأبرز "رون بن يشاي"، يرى أنه خلال بضعة أشهر، وربما سنة، سترسل الحكومة بالجيش الإسرائيلي إلى "رصاص مسكوب 2"، والسؤال ليس "هل، ولكن متى"؟
* احتلال "فيلادلفيا" واستقدام الناتو
وقد كانت رؤية "باراك وأشكنازي" أقل تطلعاً وواقعية، فقد شكلا "الرصاص المسكوب" كمعركة عسكرية بالغة التأثير، لكنها محدودة من البداية في أهدافها، وحجمها ومدتها الزمنية، على أساس أربع افتراضات:
أ- لا يمكن القضاء على حماس وأنشطتها بعملية واحدة، مهما كانت كبيرة وناجحة، فقط من الممكن عرقلتها تدريجياً، مثلما حدث في الانتفاضة الثانية، بعد عملية السور الواقي، لذا يجب التطلع لخلق فترات طويلة من الردع والهدوء تمكن مواطني محيط غزة من ترميم وبناء أنفسهم، بعد ثمانية أعوام من الإطلاق المتواصل، عبر عملية الرصاص المسكوب، وعمليات أخرى مماثلة.
على أن تستغل "إسرائيل" فترات الهدوء، لكي تستكمل إقامة منظومة دفاعية متعددة المراحل لاعتراض الصواريخ، وتقوم بمساعدة مصر ومصادر دولية أخرى بتعطيل التهريب وزيادة تسليح حماس.
ب- يستطيع الجيش والشاباك تدمير سلطة حماس، وبذلك تقليص حجم العنف القادم من قطاع غزة، إلى الحد الأدنى، ولو فترة محددة، ولتحقيق ذلك، سيضطر الجيش لاحتلال معظم القطاع؟ بما في ذلك مدينة غزة، ومخيمات اللاجئين حولها، ومحور فيلادلفيا ورفح أيضاً، لكنه سيضطر للبقاء فيها فترة طويلة، وربما سنوات، وبقوات كبيرة، لكي يستطيع اصطياد معظم نشطاء حماس، وكشف البنية التحتية للمنظمات الأخرى.
خلال هذه الفترة، يواصل "بن يشاي" الحديث، التي قد تمتد من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، ستضطر "إسرائيل" لتولي مسؤولية الاقتصاد ورفاهية المواطنين.
حتى قائد الجبهة وقتها "غالانت"، الذي شجع القيام بعملية كبرى، قدر أن الجيش سيضطر للبقاء هناك بين ستة أشهر إلى عام، أضف إلى ذلك، قبل العملية، حاول باراك استيضاح إذا ما كان أبو مازن ورجاله، مع المصريين ومصادر غربية، بما في ذلك قوات حلف الناتو، على استعداد لدخول القطاع للحفاظ على الهدوء، وعلى حكومة مستقرة، حتى يصبح على استعداد لتولي السلطة هناك، وهي المحاولة التي باءت بالرفض التام.
ج – حتى تدمير سلطة حماس لن يضع نهاية للمقاومة المسلحة، فبعد صدمة قصيرة، ستنهض المنظمات، وتبذل جهوداً لإطلاق الصواريخ، لإراقة دماء جنود الجيش، وتهريب السلاح عبر الأنفاق، تماماً مثلما فعلوا قبل الانفصال عام 2005، في الوقت الذي كان الجيش متواجد في غزة، ومحور "فيلادلفيا".
د- الاحتكاك المتواصل للجيش مع السكان المدنيين، سيؤدي إلى إدانة "إسرائيل" على الصعيد الدولي، وسيعمق عزلتها السياسية.
* الخوف لا زال هو الخوف
وهكذا، فبعد بعد مرور عامين على عملية الرصاص المصبوب التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال مُعظم رياض الأطفال والمؤسسات التعليمية في مدينة "عسقلان" غير محصنة، وما زال سكانها الذين تعرضوا لإطلاق صواريخ بأعداد كبيرة، متخوفين من أن العملية العسكرية على غزة لم تحقق أهدافها.
تقول إحدى ساكنات المدينة: في كل مرة أسمع صوت صفارات الإنذار في المنطقة الجنوبية للمدينة، لا أعلم ماذا أفعل لأن منزلي غير محصن من الصواريخ، لقد كنت متأكدة أن هذا سينتهي بعد عملية الرصاص المصبوب، ولكن لا زال هناك إلى الآن أصوات صفارات الإنذار، والخوف لا زال هو الخوف".
فيما يعتقد "نسيم ليفي" المسئول السابق في جهاز الشاباك، أن سماح "إسرائيل" بإطلاق عدد قليل من الصواريخ على المدينة، أدى لفقدان أهلية الردع، وقال: "لدينا شعور أن الجيش لم يُنه عمله كما يجب".
صاحبة إحدى المقاهي قالت: "هناك هدوء معين، ولكن إلى الآن توجد صفارات إنذار، وإطلاق صواريخ، وشعور الإسرائيليين بالخوف هنا يزداد".