أعلنت هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية عن نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في الكشف عن المزيد من أسرار موقع الفاو الأثري (عاصمة مملكة كندة) الواقع على أطراف الربع الخالي، على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من وادي الدواسر.
والكشف الجديد هو منطقة لمزاولة شعائر العبادة لسكان منطقة الفاو في الواجهة الصخرية لأطراف جبال طويق المعروفة باسم "خشم قرية" إلى الشرق من موقع الفاو الأثري، حيث عُثر على بقايا معبد بُني من الحجارة. وعُثر في الموقع على بقايا مائدة لتقديم القرابين، كما عثر على العديد من النقوش التعبدية المنتشرة في المكان.
ويضيف هذا الاكتشاف المزيد من المعلومات عن التنظيمات الدينية لمدينة الفاو الأثرية.
جهود حثيثة ورحلات علمية مختصة للكشف عن منطقة الفاو الأثرية باعتبارها موقعاً يلزم اكتشافه والمحافظة عليه. #هيئة_التراث pic.twitter.com/32c0qnVieW
— هيئة التراث (@MOCHeritage) July 26, 2022
واكتشف الفريق أيضا بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8 آلاف سنة، ووثّق وصنّف أكثر من 2807 مقابر منتشرة في الموقع، صُنفت إلى 6 مجموعات تمثّل فترات زمنية مختلفة.
ومن أهم النتائج الكشف عن نقش تعبدي مقدم للإله كهل في معبد جبل "لحق" من قِبل شخص اسمه "وهب اللات" من عائلة "ملحة"، وتكمن أهمية النقش في أنه أيضا ذكر عليه اسم شخص وعائلة من مدينة الجرهاء، وأنه مقدم "للإله كهل إله مدينة الفاو" في معبد جبل لحق.
ويشير هذا النقش للعلاقة بين مدينة الفاو ومدينة الجرهاء، التي من المتوقع أن تكون تجارية بحكم موقع مدينة الفاو على طرق التجارة القديمة، كما يدل أيضا على وجود تسامح ديني بين سكان المدينتين، أو أن بعض سكان مدينة الجرهاء كانوا أيضا يعبدون الإله كهل إله قرية الفاو.
بحث شامل
وكان فريق سعودي من هيئة التراث بالتعاون مع فريق من خبراء دوليين، قد أجرى مسحا أثريا باستخدام أحدث ما وصلت إليه تقنيات المسح الأثري، التي شملت المسح بالتصوير الفوتوغرافي الجوي عالي الجودة، والمسح بواسطة الطائرات من دون طيار باستخدام نقاط تحكم أرضية، والمسح الطبوغرافي، والمسح باكتشاف الضوء وتحديد المدى (الاستشعار عن بعد) لفحص سطح الأرض.
كما شمل الفحص استخدام الرادار المخترق الأرضي، والمسح بالليزر، والمسح الجيوفيزيائي. إضافة إلى أعمال المسح الأرضي المكثف بواسطة خبراء الآثار، وعمل مجسات أثرية اختبارية موزعة في الموقع.
وعرفت مدينة الجرهاء -عبر الكتابات القديمة- بثرائها وقوتها الاقتصادية، وهي مدينة لا يُعلم بشكل قاطع موقعها حتى الآن؛ إلا أن العديد من العلماء يرجحون أن يكون موقع ثاج الأثري موقعا لها.
ويضيف هذا الاكتشاف المزيد من المعلومات عن التوزيع الجغرافي لمعابد مدينة الفاو الأثرية، بالإضافة إلى العثور على أساسات 4 مبانٍ ضخمة مزود بعضها بأبراج في أركانها بمحاذاة حافة جبال طويق، وتشير عمارة وتقسيمات المباني الداخلية وساحاتها المكشوفة بين المباني الداخلية إلى استخدامها كاستراحات للقوافل التجارية.
نظام ري
وأظهرت هذه الاكتشافات نظام الري الذي يحتوي على مئات الخزانات الأرضية التي حفرها إنسان الفاو لتخزين مياه السيول في مجرى الوادي بجوار المناطق التي استخدمت للزراعة، ولعل هذا يفسر كيف استطاع إنسان الفاو التغلب على الظروف المناخية الجافة وقليلة الأمطار في واحدة من أشد البيئات الصحراوية قساوة في العالم.
ونتج عن الأعمال المسحية المركزة وصور الاستشعار عن بعد؛ الكشف عن عدد من المساحات الزراعية التي يعتقد أنها كانت حقولا زراعية استخدمت لزراعة عدد من المحاصيل التي تسهم في تأمين حياة سكان المدينة، إلى جانب الكشف عن مجموعة من الرسومات والكتابات الصخرية التي نحتت على الواجهة الصخرية لحافة جبل طويق.
وتروي الرسومات الصخرية العديد من المشاهد اليومية للصيد والترحال والقتال، وهي قصة رجل اسمه "مَذكر بن منعم" حاول أن يجعل من الجبل مكانا لينشر فيه قصته عبر النحت على الصخور.
يذكر أن الأعمال الميدانية في موقع الفاو كانت قد بدأت بجهود جامعة الملك سعود في سبعينيات القرن الماضي بقيادة عالم الآثار السعودي الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، حيث استمرت لأكثر من 40 عاما، كشف خلالها عن العديد من الجوانب الثقافية للموقع، أبرزها المنطقة السكنية، منطقة السوق، المعابد، والمقابر، ونشرت النتائج في 7 مجلدات تحتوي على نتائج هذه الأعمال الأثرية.
الجزيرة نت