فور إلقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطابه في الأمم المتحدة، بدأت تصدر ردود الفعل (الإسرائيلية)، التي توافقت على أنه محبط ويائس، ولعل الشعور السائد أن أبا مازن يلقي خطابه الأخير في مسيرته السياسية، وفي اليوم التالي، قد يجد الفلسطينيون أنفسهم في حالة عدم استقرار، ما يستدعي من "إسرائيل" التفكير في الانفصال أحادي الجانب عنهم.
وقبل أن يلقي عباس خطابه، شهدت الأوساط (الإسرائيلية) نقاشات حيّة حول القضية الفلسطينية لم تشهدها منذ سنوات عديدة، لأن خطاب لابيد عن دعمه لرؤية حل الدولتين أغرق الساحة (الإسرائيلية) بنقاشات ذات أهمية كبيرة، وستكون في قلب الخطاب الانتخابي القادم، لكن خطاب عباس قبل ساعات، عمل على تخفيض التوقعات، لأنه أثبت أن ما تشهده (إسرائيل) حول حل الدولتين هو نقاش داخلي بين (الإسرائيليين)، وليس حوارا مع الفلسطينيين، على الأقل وفق التقدير (الإسرائيلي).
مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز دايان في جامعة تل أبيب، والباحث بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، أكد أن "شكر عباس للابيد على خطابه لم يمنعه من اتهام (إسرائيل) بإحباط رؤية حل الدولتين، وأنها ليست شريكًا في المفاوضات السياسية، وذهب أبعد من ذلك عندما أعلن أن الفلسطينيين قد يطالبوا بتنفيذ قرار التقسيم 1947، وقرار 194 بشأن عودة اللاجئين، وهو بذلك أظهر يأسا شديدا، ورسالة أكثر تشاؤما".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت، ترجمته "عربي21" أن "عباس، وكباقي الفلسطينيين، يدرك أن اليد الممدودة للسلام كانت لرئيس وزراء غير واضح هل سيبقى في منصبه في المستقبل أم لا، رغم أن موقفه من القضية الفلسطينية قوبل بمعارضة قوية، حتى من داخل حكومته، ومن خلال كلمات التحذير واليأس، نشأ شعور (إسرائيلي) يشير إلى أن أبا مازن قد يكون خطابه الأخير بهذه الصفة، بجانب مكانته المتدنية بين الفلسطينيين، وقلقهم من اليوم التالي لغيابه".
وأشار إلى أن "النبأ السار للفلسطينيين أن قضيتهم عادت إلى مركز الخطاب الدولي، ومصحوبة بتفاهمات بين الجمهور والقيادة في (إسرائيل) بشأن عدم القدرة على الاستمرار في الواقع الحالي لفترة طويلة، ما يستدعي ضرورة صياغة استراتيجية منظمة وطويلة المدى حولها، لكنها في الوقت نفسه تعكس الصعوبة الأساسية في ما يتعلق بتعزيز التحركات بشأنها، بينها علامة الاستفهام الثقيلة في ما يتعلق بوجود شريك (إسرائيلي) في الوقت الحالي على استعداد للترويج لترتيب سياسي يتمتع بوضع مستقر بدرجة كافية".
واضح أن التقييم (الإسرائيلي) لخطاب عباس في الأمم المتحدة ينطلق من فرضية مفادها أن الحكومة المقبلة بعد الانتخابات مطالبة بالاعتراف بأن التسوية مع الفلسطينيين، إذا حدثت على الإطلاق، فلن تكون على الأرجح كما كانت في أيام أبي مازن، لأن الأيام التي يقضيها خلفاؤه في وراثته تستدعي أن النظام الفلسطيني سيشهد قريبا حالة من عدم الاستقرار المزمن، وبالتالي فإن الدرس الإلزامي أنه قد يتعين على (إسرائيل)، بجانب الترويج لتسوية مع الفلسطينيين، فحص إمكانية الانفصال عنهم.
هذا البديل (الإسرائيلي) سيكون محفوفا بالتحديات، لكنه ربما يكون، وفق القراءة (الإسرائيلية)، أفضل من استمرار الواقع الحالي الذي قد يؤدي تدريجياً إلى اندماج كامل بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، مع فرض العبء الكامل في هذه المنطقة على كاهل دولة الاحتلال وحدها، وتشكيل واقع متفجر لدولة واحدة ثنائية القومية، وهذا هو الكابوس الذي تهرب منه!