يحيي الفلسطينيون، اليوم الأحد، الذكرى الـ26 لهبة النفق التي استشهد فيها 63 فلسطينيا وأصيب أكثر من 1600 آخرين.
بعد أن أقدمت سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) على فتح بوابة النفق الممتد أسفل المسجد الأقصى والعقارات الإسلامية المحيطة به بطول 450 مترا، عقد اجتماع للقيادة الفلسطينية بدعوة من الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ودعا الفلسطينيين إلى مواجهة هذا العدوان، وبعث برسائل إلى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والعاهل الأردني الملك حسين بن طلال، والرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل، ووضعهم في صورة العدوان الجديد.
وترأس عرفات اجتماعا طارئا ضم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، لبحث الاعتداءات (الإسرائيلية) على المقدسات الإسلامية والمسيحية، صدر في أعقابه بيان دعا فيه الفلسطينيين لمقاومة ومواجهة أعمال الاحتلال (الإسرائيلي)، الرامية لتهويد المدينة المقدسة.
ففي صباح الأربعاء، 25 أيلول 1996، استيقظت مدينة القدس على فتح الاحتلال لبوابة النفق، ما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة في المسجد الأقصى، ومحيطه بالبلدة القديمة، انتقلت لاحقا إلى معظم محافظات فلسطين، التي هبت نصرة للأقصى والمقدسات، في اشتباكات استمرت لثلاثة أيام.
وكانت أعنف المواجهات شهدتها محافظات: القدس، ورام الله، والخليل، وبيت لحم، ونابلس، كما اندلعت مواجهات في طولكرم، وقلقيلية، وجنين، وأريحا، حيث استشهد في الضفة الغربية 32 فلسطينيا، 17 منهم في رام الله، 4 في القدس، 3 في الخليل، 2 في أريحا، 2 في طولكرم، 2 في نابلس، 2 في بيت لحم، فيما استشهد 31 مواطنا في قطاع غزة، بعد أن شهدت نقاط التماس في القطاع اشتباكات مسلحة بين أفراد الأمن الفلسطيني وجنود الاحتلال، بعد أن دفع الاحتلال بطائراته إلى المعركة وأمطر المتظاهرين بالرصاص الثقيل، كما أطلقت مدفعيات الاحتلال القذائف تجاه نقاط المواجهة.
وكان الاحتلال فشل مرتين في فتح النفق، الذي يرمي إلى تحقيق عدة مكاسب سياسية وأمنية واستيطانية، أبرزها: توسيع حائط البراق، وتهديد الأحياء العربية الإسلامية المحيطة به، كما حدث لحي باب المغاربة في عام 1967، الذي هدمه الاحتلال لتوسعة استيطانه في محيط الأقصى، وقلب البلدة القديمة.
كما هدف الاحتلال من خلال النفق إلى تأكيد سيادته على مدينة القدس، وتزوير ومحو أي أثر إسلامي وعربي، وتهديد المقدسات، وتحويلها إلى أماكن دينية وسياحية تابعة له، والتنصل من تبعات اتفاق "أوسلو"، رغم أن هذه الاتفاقية لا تمنح الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، والتملص من اتفاق الانسحاب من الخليل، حيث أدت الهبة إلى توقيع إعادة الانتشار في المدينة في كانون الثاني/ يناير 1997، وهو أحد مكاسب هبة أبناء شعبنا، إضافة إلى استعداده الدائم للدفاع عن مدينة القدس، ومحاربة التوسع الاستيطاني فيها ومحاولة تزوير تاريخها الإسلامي العربي.
ويُشار إلى أن عملية محاولة فتح النفق قد سبقتها محاولتان: الأولى عام 1986 عند باب الغوانمة، والثانية عام 1994، عند المدرسة العمرية وهو نفس المدخل الحالي، إلا أن المرة الثالثة جاءت ضمن مخططات حكومة الليكود المتطرفة في برنامجها الانتخابي عام 1996، كما أنها جاءت عشية الاحتفال "بعيد الغفران"، وكأن هذه العملية جاءت كهدية للشعب اليهودي، لكن شعبنا الفلسطيني تصدى بكل قوته، وأفشل المحاولة بدماء 63 شهيدا و1600 جريح وعشرات الأسرى.
ومنذ نكبة فلسطين، في أيار/ مايو 1948، يعمل الاحتلال "الإسرائيلي" على تهويد مدينة القدس بكل الوسائل والطرق، وفي الأشهر الأخيرة تصاعدت انتهاكات الاحتلال المدينة المقدسة ومسجدها. ومن أبرز هذه الانتهاكات تواصل الحفريات في كل الجهات المحيطة بالمسجد الأقصى فوق الأرض وتحتها، بهدف التدمير الممنهج لكثير من الآثار، وهدم طبقات أثرية من كل الفترات "العربية، ثم الإسلامية، فالأموية وحتى العثمانية".
كما أدت هذه الحفريات إلى إحداث تشققات وهدم في جدران وأرضيات ومباني "الأقصى" والقدس القديمة، وسلوان. والجدير ذكره أن كثير من الأنفاق التي حفرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي أسفل "الأقصى" وفي محيطه، باتت تحتوي على كنس يهودية ومزارات توراتية تلمودية، ما يؤكد خدمة هذه الحفريات للمشاريع الاستيطانية التهويدية.