لو دخلت إلى الصفحة الرسمية لفندق البتراء الأثري في باب الخليل فسترى غرفا متهالكة، لا يُسمح لأصحابها بتجديدها، ومطل يبهر العقول على ساحة باب الخليل ومنها على أروقة البلدة القديمة.
وهناك في زاوية الفندق غرفة صغيرة تغتصبها جمعية "عطيريت" الاستيطانية، وكانت قديما مخصصة للحراس، بينما لا زالت القضية بين العائلة المالكة والجمعية التي تدعي ملكيتها للفندق كاملا في المحاكم (الإسرائيلية) التي لا يتوقع أن تنصف فلسطينيا يوما.
غرفة واحدة، أفضل من لا شيء، تنسل منها الجمعية الاستيطانية تدريجيا، ثم تسرق غرفة ثم يهدم جدار، ثم غرفة أخرى، كخطة أصبحت مستهلكة يحفظها الفلسطينيون وطريقة معروفة للاحتلال منذ بدايته: السرقة بالتدريج.
فقبل أيام قام متطرفون يهود، برفقة ما يسمى بمدير دائرة الآثار "إليلي إسكوزيدو" ورئيس جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، بهدم الغرفة الأثرية المحتلة، والمؤدية إلى الغرفة الملاصقة، في محاولة لسرقة المزيد.
وتعود القضية إلى عام 2005 حين أعلنت بطريركية الروم الأرثوذكس عن صفقة بيع عقارات بالبلدة القديمة بالقدس لشركات (إسرائيلية) متعاونة مع جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية، وهي صفقة سربتها الكنيسة تدريجيا.
وتتضمن الصفقة المهربة تأجير فندقي البتراء والإمبريال في ميدان عمر بن الخطاب عند باب الخليل، وما يعرف ببيت المعظمية في حي باب حطة بالبلدة القديمة لمدة 99 عاما، وتشمل الصفقة 22 محلا تجاريا تقع في نفس مباني الفنادق وتشرف على ميدان عمر بن الخطاب.
كانت عائلة قرش المقدسية هي التي تستأجر الفندق ولا زالت، وتحاول ما استطاعت أن تقاوم لحماية المكان منذ ستينيات القرن الماضي، والموقع الاستراتيجي للفندق المكون من أربع طوابق يجعله مطلا مهما وخلابا على ميدان عمر بن الخطاب جنوبا، ونوافذه القديمة الشرقية تطل على كامل البلدة القديمة والمسجد الأقصى.
ويذكر المؤرخ المقدسي إيهاب الجلاد أن الفندق له موقع مهم جدا فهو أعلى نقطة موجودة في محيط المسجد الأقصى، وهو على مدخل بوابة باب الخليل ويؤدي إلى الأسواق في البلدة القديمة، ويطل على ساحة مسجد عمر.
وموقع الفندق هو الأهم في القضية وفقا للجلاد، لأنه يطل من جهة على بركة السلطان الأثرية لتجميع مياه الأمطار، موضحا أن البركة وقف منذ زمان صلاح الدين الأيوبي ومساحتها ضخمة جدا ومهمة بالنسبة للاحتلال وتسمى بركة البطريك، أو بركة صلاح الدين حيث تغيرت المسميات تبعا للحقبات التاريخية، ومن جهة أخرى فهو يطل على البلدة القديمة بما فيها المسجد الأقصى وباب الخليل وكنيسة القيامة.
ويعتقد الجلاد في مقابلة مع "الرسالة" أن الاحتلال يسعى لأن يجعل الفندق مدرسة دينية يهودية أو متحفا يهوديا فكل المباني أمامه منخفضة لأن ارتفاعه 770 مترا بينما قبة الصخرة ترتفع لـ 740 مترا لذلك فهو يعتبر مكانا مهما لأنه مرتفع أكثر من كل الأماكن التاريخية العربية حوله.
ويؤكد الجلاد أن وضع الفندق سيء، فمالكوه ممنوعون من ترميمه، وهدم الجدار اليوم بين الغرفة المحتلة وغرفة أخرى للفندق يعني توسعة تدريجية للاستيطان، مشيرا إلى أن الاحتلال يسعى للاستيطان التدريجي، ويحاول الوصول لأي موطئ قدم يساعد في تهويد المنطقة، والسيطرة على كل منطقة باب الخليل.
يحاول أهالي منطقة باب الخليل وميدان عمر التشبث بالأمكنة القديمة وعدم الخروج منها ما استطاعوا، لأنهم يعلمون تماما أن السرقة تتم في لحظة غياب، ثم تُحوّل إلى قضية في المحاكم (الإسرائيلية)، ثم تصادر أملاكهم، لأن الاحتلال بقضائه ومحاكمه لصوص.