تزداد مهرجانات عروض السلع يومياً على منصات التواصل الاجتماعي، وبات أصحاب المولات والعاملون فيها، في غزة ومدن أخرى من فلسطين، من مشاهير الفيس بوك والتيك توك.
أغرت هذه المهرجانات المواطنين الذين ينظرون إليها بإيجابية؛ ففتحوا جيوبهم لشراء المعروض من السلع، لا سيما تلك التي يتم ترويجها على أنها "رخيصة".
وظاهرة وجود عروض تجارية على بعض المنتجات ليست أمرا جديدا؛ إذ يعكف التجار -في العادة- في نهاية كل عام على جرد المخزون واحتساب الأرباح، ومن خلال هذا الجرد تظهر فوائض في بعض المخزونات التي بات تاريخ صلاحيتها على مشارف الانتهاء، فيكتفي أغلبهم بالربح الذي تحقق من المنتج خلال العام، دون أن يكون لديهم مشكلة لو "تخلصوا" من البضاعة المتبقية بسعر التكلفة أو حتى أقل من ذلك، بدلا من إتلافها.
لكن المثير هذه الأيام كثرة "العروض"، وتنوع الأصناف حديثة تاريخ الإنتاج، مما يفتح باب التساؤل على مصراعيه، هل يمكن أن يبيع التاجر بضاعة ذات تاريخ إنتاج حديث ويخسر فيها؟!
الإجابة التي لا يختلف عليها اثنان: بالطبع لا، لكن ما الذي يحصل؟ ومن الذين يقومون بهذه العروض؟
هذه الأسئلة وغيرها تدور في أذهان العديد من المواطنين والمختصين الاقتصاديين، فمنهم من عزا سبب ذلك إلى انتشار ظاهرة التكييش "المبنية على الدفع الآجل لثمن البضاعة، والقيام بإعادة بيعها بثمن عاجل للحصول على سيولة".
ومنهم من اعتبر أن ما يحصل هو عملية غسيل أموال، تحدث نتيجة صعوبة إدخال المال لغزة، وآخرون قالوا إن الركود الاقتصادي الكبير الناتج عن الأزمات العالمية سبب الأمر.
وتقتضي الحقيقة القول: إن مجموعة الأسباب السابقة قد تكون مجتمعةً هي السبب وراء ذلك؛ لكن بالنظر إلى من يقومون بهذه العروض، نجد أنهم كبار التجار ممن يمتلكون مولات تجارية كبيرة وعندهم قدرات استيرادية ضخمة؛ حيث يعتبرون هم جهة التنفيذ، مما يعني أن سببا إضافيا آخر قد يكون هو المحرك الأساسي، وهو أنّ أسعار بعض البضائع -سابقا- كانت مرتفعة ولها هوامش ربح كبيرة جدا، وأنّ ما نسميه "عرضا" من المفترض أن يكون هو السعر الطبيعي، إذا كان هناك ضبط لهوامش الربح للتجار.
ومن هنا، يبدو أن على الجهات الرسمية إعادة النظر في أسعار جميع المنتجات، وضبط الحالة السعرية، وتحديد هوامش ربح منطقية، وعمل دليل سعري استرشادي لأدق الأصناف والمنتجات؛ حماية للمستهلك وصغار التجار الذين باتت مصالحهم التجارية تعاني كسادا دفع بعضهم للإغلاق.
كما يجب أن تقوم دائرة حماية المستهلك بدورها الحقيقي في الحماية، الذي يتعدي فحص سلامة المنتج إلى سلامة سعره.
وهنا قد يخرج البعض ليتحدث عن اقتصاديات السوق الحر، وأنه من المفترض ألا تتدخل الحكومة في تسعير المنتجات التي لا تُعد أساسية، وأن إيجاد أجواء المنافسة كفيلة بضبط الأسواق؛ لكن بكل وضوح نقول: نحن في غزة خصوصا، وفلسطين عموماً، وفي ظل الحصار المفروض علينا، الأصل ألا نتبنى هذه النظريات لخصوصية الحالة، ففي ظل رواتب زهيدة وبطالة مرتفعة وفقر مدقع، لا تحدثني إلا عن اقتصاد مبني على ضبط الحالة التجارية ومستويات المعيشة.