قد لا يسع المجال للحديث عن تداعيات “الانقلاب القضائي” الذي تقوده “حكومة نتنياهو”، لكن بالمجمل هناك نقاط تحول كثيرة في مسار هذا الكيان المزعوم، بدأت منذ تشكيل “حكومة نتنياهو” السادسة، تحديداً مع الإعلان عما يسمى “بالإصلاحات القضائية” التي يعتبرها نصف “الجمهور الإسرائيلي” بأنها “انقلاب قضائي”.
فبعد التظاهرات الأسبوعية الاحتجاجية على إصلاحات “حكومة نتنياهو”، تزايدت حدة الحوار السياسي في الكيان، وبدأت تظهر على السطح مظاهر التفسخ المجتمعي، والانقسامات السياسية، وسرعان ما انتقلت تداعيات هذه الاحتجاجات إلى قطاعات ومجالات أخرى، قد لا تقل أهمية عمّا يحدث على المسرح السياسي.
في الجيش هناك من يعارضون هذه الإصلاحات، وشارك المئات من المُسرحين بالجيش، ومن قوات الاحتياط في مسيرات وتظاهرات احتجاجية ضد “الانقلاب القضائي”، ومؤخراً طلب ضابط برتبة عميد من قوات احتياط سلاح الجو، أن يستقيل من الخدمة كاحتجاج على الانقلاب.
تحذيرات ومخاوف من أزمة اقتصادية
الحديث عن ارتفاع منسوب التمرد وبوادر لحرب أهلية في الكيان، يتزامن مع الحديث عن مخاوف أطلقها أرباب شركات الصناعات التكنولوجية في الكيان، وإعلان بعضها عن سحب أمواله من بنوك الكيان، ونقلها لحسابات بنكية في الخارج، وحالياً اتسعت هذه الرقعة أكثر، ففي استطلاع نشرته القناة 12 مساء الأربعاء، أظهرت نتائجه أن 20% من الشركات الكبيرة في الكيان، تدرس أو بدأت فعلياً بتحويل أموالها إلى الخارج، وذلك تخوفاً من نتائج وتداعيات “الانقلاب القضائي”، وحالة عدم الوضوح في “الاقتصاد الإسرائيلي”.
تعتبر بداية حركة هروب الأموال، والشركات والمستثمرين من أخطر التداعيات التي قد يوجهها الكيان، حيث حذر عدد من كبار المسؤولين بالمجال الاقتصادي (مثل محافظ بنك إسرائيل، ورئيس قسم الميزانيات السابق بوزارة مالية العدو) من تداعيات “الانقلاب القضائي” على اقتصاد الكيان، وأكدوا أن الاستمرار به سوف يؤدي إلى اندلاع أزمة اقتصادية قريبة بالكيان، وقد تدفع بالمزيد من الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين “الإسرائيليين” والأجانب، بعدم الاستمرار بالعمل في الكيان.
مخاوف عديدة ومصير مجهول
تأتي كل هذه التطورات المتسارعة مع حركة انهيار الشيكل أمام الدولار الأمريكي، وهذا ما دفع “حكومة نتنياهو” للعمل على طمأنة عشرات السفراء من دول العالم، ومحاولة إقناعهم بالاستمرار في استثمارات شركات بلدانهم بـ “الاقتصاد الإسرائيلي”.
تتزامن التحذيرات والمخاوف بالقطاع الاقتصادي مع المخاوف والتحذيرات التي يطلقها العديد من رموز السياسة والعمل الأمني بالكيان -السابقون والحاليون- والتي تجسد مخاوفهم من تدهور “إسرائيل” ليس فقط إلى حالة حرب أهلية، وتمرد بالجيش، وحسب، وإنما إلى حالة نظام ديكتاتوري، كما جاء مساء الخميس على لسان رئيس الوزراء ووزير الجيش ورئيس الأركان الأسبق “إيهود بارك”.
فهذه الدولة المصنفة من أقوى دول الشرق الأوسط عسكرياً وأمنياً وتكنولوجياً، تعيش اليوم في أسوأ حالتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وقد يبدو لبعض المتشائمين جداً من انهيارها، أن هذه بوادر حقيقية لبداية مراحل الترهل والوهن، والتآكل الداخلي الذاتي، الذي سيقودها إلى مصيرها المحتوم.
المصدر: الهدهد