تحقيق (الرسالة)

إضراب الأونروا احتجاج على أزمة مالية مُغلفة بغطاء سياسي

الرسالة- تحقيق محمد عطا الله

بعد أشهر من الاحتجاجات والإضراب الشامل الذي شلّ كافة مؤسسات ومرافق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والعصيان الإداري، نجح اتحاد الموظفين العام في قطاع غزة في التوصل لاتفاق مع إدارة الأونروا والاتفاق على خارطة طريق لمعالجة الأزمات المتراكمة منذ سنوات.

في المقابل لازالت تزداد الأزمة تعقيدا ويتواصل الإضراب الشامل والمفتوح في كافة مرافق "الأونروا" منذ أكثر من ثلاثة شهور في كافة مناطق الضفة المحتلة، في ظل مطالبة الاتحاد برفع أجور الموظفين، لا سيما مع حالة الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار بمناطق الضفة.

ولم تكتفِ الأونروا برفض تلبية مطالب الاتحاد، بل سارعت لإجراءات تصعيدية بحق قيادات الإضراب، كما نظمت حملة إعلامية سعت من خلالها لابتزاز اللاجئين الفلسطينيين واستعدائهم على الموظفين الذين طالبوا بحقوقهم، ومنها إيقاف بعض الموظفين ومن بينهم رئيس اتحاد العاملين في الضفة، وتسجيل خصومات مالية وعقوبات بحق موظفين آخرين.

عواقب وخيمة

ويبلغ عدد موظفي وكالة أونروا بإقليم الضفة 3670 موظفًا، والمضربون منهم 3400، وهؤلاء لم يتقاضوا راتبي مارس وأبريل كعقاب جماعي من إدارة الأونروا، فيما عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق حيال استمرار إضراب موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وقال الاتحاد في بيان صحفي، إنّ هذا الإضراب يتسبب في عواقب وخيمة على اللاجئين، لا سيما حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، بالإضافة إلى عرقلة تقديم الخدمات الصحية الأساسية وجمع النفايات.

وفيما يتعلق بالمواجهة الجارية بشأن مراجعة الأجور وأي قضايا أخرى أدت إلى الإضراب، حث الاتحاد جميع الأطراف على إيجاد حلول بناءة في مصلحة اللاجئين، وضمن القيود المالية التي يتعين على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين العمل ضمنها.

ما سبق يأتي رغم أن الإضراب جاء في إطار نزاع عمل وحراك نقابي تقليدي، تكرر في عدة مناسبات على مدار السنوات الماضية، فالإضراب الذي يجري حاليا على مستوى موظفي الضفة الغربية، شملت بدايته أيضا إقليم غزة، الذي خاض الموظفون فيه إضرابا جزئيا.

كما أن حالات إضراب واحتجاج مماثلة تكررت خلال الشهور الأخيرة في معظم ساحات عمل الوكالة، وقد شهد شهر تشرين الثاني/ نوفمر2022 إضرابات جزئية واحتجاجات نفذها العاملون الفلسطينيون في (أونروا) احتجاجا على سياسات التقليص المماثلة والانتهاك المستمر لحقوق الموظفين في مناطق عمل وكالة "أونروا" المختلفة، التي يعاني فيها الموظفون من رفض مطالبهم، ومنها تحسين رواتبهم.

مشاكل رئيسية

وهنا كان لابد لمعد التحقيق من البحث وراء هذه القضية وطرق أبواب كافة الأطراف، ويؤكد رئيس تجمع النقابات المهنية في قطاع غزة، والرئيس السابق لاتحاد الموظفين في "أونروا" سهيل الهندي، أن سبب المشكلة الرئيسي في وكالة الغوث طبيعة الميزانية السنوية التي تعتمد على تبرعات الدول والهبات والمانحين مما يجعلها تبقى تحت رحمة تلك الدول.

 

الهندي: بعض مفوضي الوكالة لا يملكون الخبرة في التعامل مع اللاجئين

 

 

ويقول الهندي في حديثه لـ (الرسالة) أن المطالب طبيعية، خاصة أن الموظف يحاول تطوير الأوضاع المعيشية له باستمرار لكن للأسف الشديد الوكالة تدعي أنه لا توجد أموال زائدة بينما الحياة تتعقد والأسعار تزداد، فيقف العجز المالي حائلا بين الزيادة للموظفين واستمرار الخدمات المقدمة للاجئين.

ويضيف أن فلسفة الإضرابات خلال السنوات الأخيرة تزداد وللأسف الوكالة لم تدفع سنتًا واحدًا للموظفين سواء في الضفة أو غزة أو باقي مناطق عمليات الوكالة، في المقابل هناك زيادة طبيعية في الأوضاع المعيشية للموظفين في كل المناطق والزيادة صفرية للعاملين، مما أوجد إشكاليات بين إدارة الوكالة والموظفين.

ويبين الهندي أن المشكلة الثانية بعيدا عن الظرف المالي هي سياسية، لا سيما أن هناك توجها عالميا خصوصا الولايات المتحدة والاحتلال (الإسرائيلي) لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ويشير إلى أن وجود وكالة الغوث يعتبر عنوانا للقضية للشعب الفلسطيني الذي هجر من أرضه قبل أكثر من 75 عاما لذلك هم يضغطون على الدول لعدم تقديم المساعدات والمعونات والأموال لوكالة الغوث، لذلك المشكلة تزداد يوما بعد يوم وعاما بعد عام.

ومن وجهة نظر نائب رئيس اتحاد الموظفين العرب في (الأونروا)، عبد العزيز أبو سويرح، فإن الإضراب هو نزاع عمل، ولم يخلق من العبث إنما جاء في ظل حالة تضارب المصالح بين الموظفين وإدارة الأونروا.

 

 

اتحاد الموظفين: نعاني من التمييز بين الموظفين المحليين والدوليين

 

 

ويوضح أبو سويرح، الذي وضعنا هذه القضية على طاولته، في حديثه لمعد التحقيق أن الأزمة المالية التي تعاني منها إدارة الأونروا جاءت نتاج أزمة سياسية بعد الهجمة الممنهجة والمتعمدة عليها عام 2018 وتوقف المساعدات والدعم المالي من الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك الفترة حيث كان ما تدفعه قرابة ثلث الميزانية السنوية للأونروا.

ويضيف أن القضية باتت سياسية بامتياز وأصبح الدعم مشروطا حتى من الاتحاد الأوروبي مقابل إملاءات لتنفيذ سياسات وتعديل المناهج وغيرها، إلى جانب حديث البعض عن ضرورة إنهاء دور الأونروا.

ويبين أن الأونروا تحتاج مليارا و400 مليون دولار موازنة سنوية لتغطية احتياجات 6 ملايين لاجئ فلسطيني في مختلف المناطق وهو مبلغ ليس كبيرا على الدول المناحة، لكنها أصبحت تدفع مقابل ضغط سياسي وهي أحد أسباب استمرار العجز المالي.

ويشدد أبو سويرح إلى أن ما سبق لا يعني القبول بسياسة التمييز التي تتبعها إدارة الأونروا، بين الموظفين المحليين والموظفين الدوليين، فدائما ما تركز على الواجبات وليس الحقوق في الوقت الذي لا يبلغ راتب الموظف المحلي ثلث راتب الموظف الدولي.

ويقول: "في الرواتب نعامل معاملة البلد المضيف، وفي الحيادية نعامل معاملة موظف الأمم المتحدة وفي توظيف الأقارب نعامل معاملة الأمم المتحدة ولكن في الحقوق يتعاملون معنا معاملة البلد المضيف، وهذا تمييز كبير وطالبنا بوقفه".

سياسة تمييز

ويتفق رئيس قطاع المعلمين في اتحاد الموظفين بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بغزة الدكتور محمود حمدان مع سابقه، مؤكدا أن الموضوع سياسي بغلاف مالي وما يجري ضغوط على الوكالة حتى تقلص خدماتها للاجئين.

 

 

قطاع المعلمين: قضيتنا سياسية بغلاف مالي وما يجري ضغوط لتقليص الخدمات

 

 

ويقول حمدان في حديثه لـ (الرسالة) إنه كان هناك تعنت واضح وعدم استجابة وتسويف ومماطلة في كل الحوارات التي تمت بينهم وبين إدارة الأونروا لكن في النهاية نتيجة ضغوط اللجنة المشتركة للاجئين والفصائل وغيرها واضطرت إدارة الوكالة أن تستجيب"

ويضيف أن إضراب الاتحاد لازال متواصل في الضفة نتيجة استمرار إدارة الوكالة في التهرب من الالتزام بدفع أي استحقاق مالي وزيادة الرواتب في ظل غلاء المعيشة.

ويؤكد حمدان ما تحدث به سابقه أبو سويرح في أن هناك تمييزا واضحا بين الموظفين المحليين والموظفين الأمميين التابعين للوكالة، مشددا على رفضهم استمرار هذا التمييز غير المبرر وتوجه اتحاده لطرح هذه القضية خلال اجتماع اللجنة الاستشارية التي ستعقد قريبا.

ما سبق يثبت فرضية معدة التحقيق في أن هناك سياسة ثابتة تنتهجها إدارة اونروا في إلقاء عبء التقليصات على كاهل اللاجئين والموظفين الفلسطينيين، في الوقت الذي تجنب فيه موظفيها الدوليين هذه الأعباء، واحتفاظهم برواتب أعلى بنسبة كبيرة وموازنات إدارية تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية يفترض أن تكرس بشكل أساسي لدعم اللاجئين والعاملين على خدمتهم في تجمعاتهم وأماكن وجودهم.

وبالعودة إلى رئيس النقابات المهنية د. سهيل الهندي، فإنه يعتبر أن تعنت إدارة الوكالة وعدم وجود إدارة واعية ووجود عجز مالي وضغوطات سياسية وترهل في إدارة الوكالة تسبب بهذه الخلافات.

ويحمل الهندي المسؤولية للرجل الأول في الأونروا وهو المفوض العام الذي يجب أن يوفر ميزانية ثابتة سنوية تساعد على استقرار الأوضاع في كافة مناطق عمل الوكالة، لافتا إلى أن بعض إدارات الوكالة كانت عاجزة، وجزء من المشكلة أن يأتي على رأس عمليات الوكالة مفوض عام ولا يمتلك الخبرة والدراية للتعامل مع اللاجئين وهو ما يحدث مشكلة بين إدارة الوكالة والعاملين فيها.

ويشير إلى أن إدارة الوكالة تدعي أن ميزانية الموظفين الوكالة الدوليين (الأجانب) هي ميزانية ليس من الوكالة وإنما تأتي من الأمم المتحدة، لذلك الأصل عندما يكون هناك زيادة في رواتب وميزانية الموظفين الدوليين أن يكون هناك زيادة في كافة الموظفين العاديين، وليس استمرار التمييز والتفرقة.

ويشدد الهندي على أن للموظف حق الحصول على زيادة بالراتب في ظل الظروف المعيشية ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل موظف الضفة الغربية عن قطاع غزة ولا يمكن القبول بانقسام الضفة الغربية.

معد التحقيق هاتف رئيس اتحاد العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين " الاونروا" بالضفة المحتلة جمال عبد الله، والذي قال إن إدارة الأونروا تعمل منذ سنوات على تقليص خدماتها من تعليم وصحة وعدم تثبيت والتهرب من التوظيف.

 

 

اتحاد معلمي الضفة: نعاني من التعنت والمماطلة للتهرب من مطالبنا

 

 

ويوضح عبد الله في حديثه لـ (الرسالة) أن عدد الموظفين في الأونروا بلغ قبل عدة سنوات ما يزيد عن 33 ألف موظف، بينما اليوم لا يصل عددهم لـ 27 ألف ثلثهم يعملون تحت بند المياومة، أي بنصف راتب الموظف المثبت.

ويبين أن ما يجري من سرقة لأموال اللاجئين واستغلال لظروفهم السيئة والضفة أدى لدخول الإضراب يومه الثمانين في ظل حالة التعنت والمماطلة التي تمارسها الوكالة للتهرب من مطالب الموظفين.

وتتمثل مطالب الاتحاد في صرف علاوة إقليم الضفة الغربية، نتيجة الغلاء الفاحش وإعادة راتبي مارس وأبريل الماضيين، وإعادة من تم وقفهم عن العمل من الموظفين على قاعدة الحيادية وعددهم 3.

اتفاق مشروط

مدير مركز دراسات اللاجئين الفلسطينيين عماد عفانة، أكد هو الآخر لمعد التحقيق، أن أمريكا وبعض الدول المناحة لا تكف عن ممارسة الضغط عن الأونروا، وقبل عام وقعت اتفاقا مشروطا ومحاولة إشراط الدعم الذي تقدمه 360 مليون دولار سنويا بإلزام الأونروا بشروط تضر مصالح اللاجئين.

 

 

دراسات اللاجئين: العرب يساعدون أمريكا في الضغط بعدم دعم ميزانية الوكالة

 

 

ويضيف عفانة أن أبرز الشروط تتمثل في تقليص خدمات معينة وتعديل مناهج وأشياء جديدة على ثقافة اللاجئين، وهو شيء مرفوض تضطر الأونروا للاستجابة له تحت ضغط الحاجة المادية.

ويبين أن الدول العربية تساعد أمريكا في ممارسة الضغط وإملاء شروطها على الأونروا في ظل عدم دعم ميزانية الوكالة، بعد أن تراجع الدعم العربي لـ 4% مقارنة في 10 % كان سابقا.

ويمكن القراءة مما سبق أنه يأتي في إطار تنفيذ وكالة "أونروا" لاتفاق الإطار الموقع بينها وبين الإدارة الأمريكية الذي تضمن تشريع عمليات الملاحقة السياسية ضد الموظفين على خلفية المواقف من الحقوق الفلسطينية، في تخلٍ واضح من "أونروا" عن دورها في الدفاع عن حقوق اللاجئين لمصلحة الرقيب الذي ينتهك هذه الحقوق ويعاقب من يدافع عنها.

ويبرر المتحدث الإعلامي باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، عدنان أبو حسنة، ما سبق بالقول، إن هناك سياسات وقوانين تحكم عمل أي منظمة أممية وأبرزها الأونروا وهي تتعلق بإمكانيات بلا استثناء من المفوض العام حتى الموظف، الكل سواسية وهي قضية تتعلق بقوانين العمل، على حد وصفه.

ويضيف أبو حسنة في حديثه لـ (الرسالة) أن الاضراب الشامل ووقف الخدمات يتضرر منه بدرجة أولى الضعفاء من اللاجئين، مثل وقف التعليم والصحة والمساعدات الغذائية وغيرها، لافتا إلى أن الحل يجب أن يتم عبر التفاوض واحترام القوانين والإمكانيات.

ويوضح أن الأونروا خرجت بعجز كبير من موازنة 2022 وصل قرابة الـ 50 مليون دولار، فيما أبلغتهم بعض الدول الأسبوع الماضي بتقليص مساعداتها.

 ويقول أبو حسنة "يجب أن يكون هذا واضحا للجميع أن الأونروا ليست شركة أو دولة، لديها معادن أو وقود أو مقاصة وإنما هي مؤسسة تعتمد على تبرعات طوعية ولا أحد يلزم أحدا بالدفع وبلاش أن نتحمل أكبر من طاقتنا".

وينفي المتحدث باسم الأونروا أن تكون إدارته تتعامل مع إضراب الاتحادات على أساس سياسي معتبرا أن القضية تتعلق بإمكانيات وقوانين العمل ليس أكثر أو أقل.

 

 

الأونروا: حل مشاكل الموظفين يجب أن يتم بالتفاوض والالتزام بالقوانين

 

 

وحول اتهام الأونروا بالمماطلة للاستجابة لمطالب الموظفين، شدد على أن إدارته لا تماطل وإنما تتعامل وفق إجراءات تتم بعد إقرار الميزانية والتي أقرت في شهر مارس الماضي.

وعن قضية التمييز بين رواتب الموظفين الأميين والمحليين، بين أن سياسة الرواتب تخضع لميزانية الأمم المتحدة ورواتب الموظفين الأميين منها مباشرة، مردفا بالقول "لا يوجد تمييز، كل موظفين الأمم المتحدة هكذا، ولا علاقة للموظفين المحليين بهم أو مقارنة أنفسهم براتب المفوض العام".

ويشير إلى أن جهود الأونروا متواصلة ومحاولتها مستمرة لمعالجة إضراب الاتحاد العام للموظفين في الضفة، "نأمل أن نصل لحل قريب لهذه القضية".

وخلص التحقيق إلى أن تقليص (أونروا) لخدماتها يحمل جزءا من إجراء مسيس يشكل انصياعا للضغوط الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين وحقوقهم، مما يتطلب موقفا للتعامل مع هذه السياسات التي باتت تهدد إمكانيات حصول اللاجئين الفلسطينيين على الخدمات الحيوية التي يحتاجونها من أجل البقاء.

البث المباشر