أسطورة المقاومة أسطورة المقاومة

قبيل موعد الإفطار

شهداء التكية.. صواريخ الاحتلال تسرق اللقمة من أفواه الصائمين بالنصيرات

شهداء الجوع: خمسة أرواح ارتقت من بين الركام في قصف تكية النصيرات
شهداء الجوع: خمسة أرواح ارتقت من بين الركام في قصف تكية النصيرات

الرسالة نت- خاص

مساء اليوم، في واحد من أيام العشر الأواخر من رمضان، كان الهدوء يغلف الأجواء رغم الآلام التي تعيشها غزة. في وسط مخيم النصيرات، حيث يتوارى الأمل خلف أكوام الركام، كان الأطفال يقتربون من تكية الطعام بصبرٍ شديد، عيونهم تطلّ على الأمل الوحيد الذي ينتظرونه في هذا الشهر المبارك: طعام يملأ بطونهم الخاوية، ويسكت جوعهم الذي يعذبهم.

كانوا يدركون جيدًا أن رمضان هذا العام لم يكن كغيره. فقد تغلبت معاناتهم على أجواء الشهر الفضيل، وأصبح الفطور حلمًا بعيدًا لا يتحقق إلا في خيالهم. تتسلل أطياف الذكريات إلى عقولهم وهم يتذكرون أيام رمضان السابقة، حيث كانت عائلاتهم تجتمع حول موائد الإفطار، ولكن اليوم لا شيء يواسيهم سوى الطعام القليل الذي قد يحصلون عليه.

لكن هذا الأمل الضعيف سرعان ما تحطم، حيث كانت صواريخ الاحتلال قد سبقت الأطفال إلى المكان. قصفٌ غادر على تكية الطعام التي كانت تقع في وسط المخيم، حيث كان عشرات الأطفال ينتظرون دورهم للحصول على حصتهم من الطعام الذي بالكاد يكفي لسد الرمق، إن كان يكفي أصلاً.

كانت الأجساد الصغيرة قد تناثرت في الأرجاء، بعضها يحمل أوعية فارغة من الطعام، وبعضها الآخر كان يلوح في السماء مع أسراب من الغبار والدخان. خمسة شهداء على الأقل، هم ضحايا هذا الهجوم الوحشي. أطفالٌ كانوا ينتظرون فقط الحصول على ما يسد جوعهم، ليتابعوا صيامهم الذي فرضته عليهم الظروف القاسية في قطاع غزة. في هذا اليوم، شهدت الطرقات وجوهًا بريئة وأجسادًا صغيرة تمددت بلا حراك، لكن تلك الأرواح كانت تروي قصصًا من الصبر والتحدي، كانت تشهد على التضحيات المستمرة لأبناء غزة في مواجهة الاحتلال.

في تلك اللحظة، كان يمكن سماع همسات الأطفال الصائمين الذين ما زالوا على قيد الحياة، وهم يتذكرون تلك اللحظات البسيطة التي كانوا يعشقونها في رمضان، من تجمعهم حول مائدة الإفطار مع عائلاتهم في السابق. ولكن، اليوم، لا طعام، ولا ماء، ولا حتى فرصة للسلامة. ما كانوا يرجونه هو اكتمال الشهر الفضيل بأي طريقة كانت، بأقل القليل من الطعام ليخفف عنهم جوعهم الذي فاق كل حد.

لقد وصل الجوع إلى أعمق نقطة في قلوب أهالي غزة، مع استمرار الحصار على القطاع وإغلاق المعابر، ما جعل الأوضاع الإنسانية في تدهور مستمر. التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة في 18 مارس 2025 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي أشار إلى أن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد قد تم تجاوزه بشكل كبير. وذكر التقرير أن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة. كما أفاد التقرير بأن نصف سكان غزة، أي حوالي 1.1 مليون شخص، قد استنفدوا بالكامل إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويعانون الآن من الجوع الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي).

لقد تحول القطاع إلى مسرح لمعاناة غير مسبوقة، حيث يعاني الجميع من مستويات كارثية من الجوع، فيما تتسارع معدلات الوفيات الناجمة عن سوء التغذية، رغم أن البيانات لا تزال محدودة في ظل الظروف الأمنية الصعبة.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، "إن الناس في غزة يتضورون جوعًا حتى الموت الآن. إن السرعة التي انتشرت بها أزمة الجوع وسوء التغذية- التي هي من صنع البشر- في غزة أمر مرعب". وأضافت: "إنه لا يوجد سوى نافذة صغيرة للغاية لمنع حدوث مجاعة كاملة، ويتطلب ذلك الوصول الفوري والكامل إلى شمال غزة."

لكن شعب غزة لا يزال ثابتًا، وإن كان كل يوم يمر عليهم يحمل المزيد من الألم والمعاناة. كانوا على علم بأن الموت يلاحقهم في كل زاوية، لكنهم كانوا يصرون على الحياة، ولو بقليل من الأمل.

ذلك اليوم الرمضاني، الذي انتهى قبل أن يبدأ، لن يُنسى أبداً. خمسة أطفال سقطوا شهداء، وهم لا يتمنون سوى لحظة هدوء، وفرصة لتناول طعام يكسر جوعهم، ويحفظ لهم بعضًا من كرامتهم في هذا الشهر الفضيل. كان قصف الاحتلال على تكية الطعام في وسط مخيم النصيرات، واحدة من أفظع لحظات الإبادة التي يعيشها أهل القطاع، لكن الأمل في النصر ما زال يلوح في الأفق، كما لو كان طيفًا بعيدًا، لكنه موجود في قلب كل فلسطيني صامد.

`
البث المباشر