قائد الطوفان قائد الطوفان

الشهيد ميلاد الراعي: (السما والبحر إلي)

الرسالة نت- رشا فرحات

"رغم الألم، رغم الجرح، رغم كل شي بصير، أنا عايش بالمخيم صابر ومتحمل كتير، بحلم أطير، بحلم أغني، بحلم أنافس، أنا إنسان في قلبي الخير، السما إلي والبحر إلي ، في السما أنا نسر بطير، في البحر أنا أكبر حوت".

كان هذا مقطعا متداولا للطفل ميلاد الراعي الذي لم يبلغ الحلم، يغني أغنية الراب على طريقته، يحكي عن أحلام المخيم وضيقه، وعن اتساع السماء وأحلامه، قبل أن تغتاله رصاصة الاحتلال.

لم يكن الموت مكتوبا في أحلام ميلاد، لم يكن إلا صبيا يدرس في الصف العاشر بمدرسة العروب الثانوية للبنين، يحب الحياة ويقبل عليها، كان يحلم بأن يحترف الموسيقى كوالده، يلحن أحلامه نغمات رقيقة عن الوطن وحلم العودة وحياة المخيم.  

ولكن حينما يلهو الصبية على أبواب المخيم، ينسيهم المرح أن هناك عدوا يتربص بهم، فيباغتهم رصاص الاحتلال من كل الزوايا.

 حينما أطلقت النيران عشوائيا، اخترقت رصاصة ظهر ميلاد، ونقل على إثرها فورا إلى مستشفى اليمامة في بيت لحم، بعد أن منعت سيارات الإسعاف من التوجه به إلى مستشفيات الخليل، ما اضطرها للسير به إلى بيت لحم، حيث ارتقى شهيدا.

لم يكن وداع الطفل ميلاد الراعي عاديا، كان حسرة مركبة على أبواب مخيم العروب في الخليل، وجنازة ميلاد تحكي حكايا الأطفال في المخيمات، حينما يرشه رفاقه من نوافذ غرفهم وهو يمر محمولا على الأكتاف بأزهار ودموع، والتعزيزات لا زالت واقفة على بوابات المخيم تخاف من جنازة طفل، ترفع رشاشاتها متأهبة لحالة غضب ينتقم فيها الأطفال لأجل رفيقهم.

أحمد أبو الخيران رئيس اللجنة الشعبية في مخيم العروب كان واقفا بالقرب من أصوات الجنازة، وصرخات الأطفال، يقول معبرا عن غضبه وهو يراقب جنازة الشهيد: "هذه جريمة جديدة من ضمن جرائم الاحتلال بحق أبناء المخيم، هناك سياسة ظاهرة ضد المخيم وأطفاله بالذات".

يضيف: "يمارس الاحتلال سياسة القتل والهمجية لإبادة التحدي والإصرار وإعدام الأطفال أو إصابتهم بالأقدام لتسبب إعاقة دائمة لهم، وما حدث الليلة كان استهدافا مباشرا من الجنود للأطفال من نقطة صفر".

كان ميلاد متوجها إلى منزله، كان بعيدا عن أي استهداف، لكن سيارات الاحتلال اقتحمت المخيم لتستهدف الأطفال دون سبب، ولقد ترك وراءه أما ثكلى وأبا لم يكن في حسبانه أن يأخذ الموت ميلاد في عمر الصبا.

تلوح أمه بيديها إلى جنازة طفلها، وهي الصبية التي لم تتذوق وجعا يشبه هذا الوجع، بينما تذرف جدته دمعة ملفوفة بالحسرة وتقول: "أنا من أسميته ميلاد، لقد قال لي إنه سيستشهد بعد أن أموت، ولكن مكتوب عليّ أن أتذوق حسرته".

أما والده الفنان منذر الراعي فقد تجرع مرارة فقد العمر فكتب على صفحته: "رحمك الله يا فلذة كبدي وابني وحبيبي الطائع لله والعابد المواظب والمريد الذي لا يمل والعارف لأمر الله رغم حداثة سنه والقنوع الرضي والأبي الشامخ والمحب الودود".

ويتابع: "أُشهد الله أني قد رضيت عنك ـ فارض اللهم عنه واستودعتك الله الذي لا تضيع عنده الودائع وهبتك لله اللهم تقبله مني وارض اللهم عنه وتجاوز عن سيئاته واغسله اللهم بالثلج والماء والبرد واجعل منزله في عليين مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. حسبنا الله ونعم الوكيل مع السلامة يا ميلاد مع السلامة يابا".

ميلاد ابن الفنان منذر الراعي، كان يحلم أن يغني وبأن يكون لاعب كرة قدم، وأن يزور ملعب ريال مدريد ليشاهد مباراة هناك، لكن الاحتلال لا يسمح للأحلام بأن تطير وبأن تصبح حقيقة.

 

البث المباشر