القاهرة – الرسالة نت
عندما تنظر إليه من الخارج، لا يبدو لك البناء أنه مقرٌّ لواحدة من أهم المؤسسات الإعلامية في العالم العربي. فالمجمَّع هو عبارة عن بناء برجي من الإسمنت المسلَّح، يرتفع شامخا في سماء القاهرة عاليا فوق الجسور العلوية المزدحمة بحركة السير والمواصلات.
طبعا ليست مؤسسة الأهرام بعمر أهرامات مصر، والتي اشتقَّت اسمها منها. لقد تأسست الأهرام في عام 1875، ولكنها أصبحت مع مرور الزمن صحيفة ودار نشر ومعهد أبحاث ومركزا ثقافيا.
إلاَّ أن الصحيفة مملوكة من قبل الحكومة، وهكذا فقد ألقت المؤسسة بنفسها، خلال الأحداث الصاخبة التي شهدتها البلاد مؤخرا، في حالة حرب.
قد يحلو للبعض هنا أن يطلق على ما يجري الآن داخل المؤسسة مصطلح "ثورة الأهرام".
خلال اجتماع جرى في المؤسسة مؤخرا، تأججت مشاعر الصحفيين "الثائرين" في وجه إدارتهم المعيَّنة من قبل الدولة، والتي أظهرت ولاء لا يُشقُّ له غبار للرئيس محمد حسني مبارك حتى رحيله عن السلطة في الحادي عشر من الشهر الجاري.
صباح حمامو هي من بين أولئك الصحفيين الذين وقفوا في وجه الإدارة، يدفع بذلك كما تقول "الحماس والتوق إلى التغيير".
لقد عملت حمامو في الصحيفة على مر السنوات الـ 18 الماضية من عمرها المهني، وهي تشغل الآن منصب نائب رئيس تحرير الشؤون الاقتصادية. تقول حمامو إن ولاءها للمكان الذي تعمل فيه لا حدود له، فهي تعتبر المؤسسة بيتا لها.
وعمَّا تواجهه الصحيفة في الوقت الراهن، تقول حمامو: "أعتقد أن الأهرام في خطر. فإن كان بعض مدراء التحرير يهتمون حقا بالأهرام كجزء من مصر، فعليهم إذا أن يتخذوا موقفا مشرِّفا ويستقيلوا".
تقول حمامو إن على الأهرام أن تقتفي أثر مصر التي ثارت خلال الأيام الماضية على نظامها الحاكم إلى أن أسقطته.
وتضيف: "لقد بُعثت مصر من جديد في الحادي عشر من شهر فبراير/شباط الجاري. وأنا أعتقد أن الأهرام ستقتنص فرصتها، ونحن قادرون على فعل ذلك".
وخلال مؤتمر صحفي عقدوه الأربعاء الماضي، طالب الصحفيون بإجراء تغييرات تعكس بعض التطورات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخرا، بما في ذلك تشكيل مجلس إدارة ومجلس تحرير جديدين لإدارة شؤون المؤسسة خلال المرحلة الانتقالية، على أن يلي ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية لكلا المجلسين.
وكانت الصحيفة قد نشرت في وقت سابق من الأسبوع الجاري اعتذارا لقرَّائها، معترفة فيه بما أسمته "تغطية غير مهنية وغير أخلاقية" لأحداث الثورة.
ومما جاء في بيان الاعتذار الذي نشرته الصحيفة: "لقد فشلنا بسماع هدير رسالة التغيير".
وكانت تهمة "التصرف اللا أخلاقي" قد وجِّهت إلى الصحيفة أيضا في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عندما نشرت نسخة معدَّلة لصورة كان البيت الأبيض قد وزعها على وسائل الإعلام.
ففي الصورة الأصلية، يظهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يقود مجموعة من زعماء دول الشرق الأوسط خلال سيرهم على بساط أحمر في طريقهكم لمؤتمر صحفي مشترك، بينما يبدو الرئيس المصري السابق حسني مبارك في المؤخرة.
أمَّا في الممر خارج غرفة الأخبار في الأهرام، فقد علِّقت صورة كبيرة يظهر فيها الرجل المسؤول عن ذلك القرار المثير للجدل، أي رئيس تحرير الصحيفة أسامة سرايا، وهو يجتمع مع الرئيس المصري السابق وجها لوجه.
وفي لقاء أجراه معه مراسل القسم العربي في بي بي سي، يرد سرايا بشكل غاضب على دعوات البعض باستقالته من منصبه، إذ يقول:
"أنت تأتي الآن إلى التهييج داخل المؤسسة، ولذلك أنا أرفض كلامك. في لحظات الفوران، تأتي المؤسسات الإعلامية التي تلعب هذه اللعبة، والتي أسميها اللعبات القذرة لبعض المؤسسات الأجنبية. هل هذا ما تحاولون فعله؟ أنا أرفض التحريض من قبل بي بي سي أو أي محطة عربية أو أجنبية".
وفي لهجة تذكِّر بما قاله مبارك في آخر إطلالاته التلفزيونية، يتهم سرايا المراسل بالتحريض ضده داخل المؤسسة، ومن ثم يرمي المايكروفون على الأرض وينهي اللقاء.
ومع تسارع الأحداث في مصر، فقد غيَّرت الأهرام بشكل جذري من لهجتها في تغطية التطورات في البلاد. لكن يبدو أن الدعوات لتغيير رئيس تحرير الصحيفة لا تمضي بعيدا.
وحول ذلك تقول حمامو: "هذه دارنا، إنها لنا. فهي ليست ملكا لرئيس التحرير الحالي، وليست ملكا للحكومة".
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: تُرى، من سينتصر في الثورة التي تجري داخل الدار؟
تقول حمامو بعد قليل من التفكير: "هذا سؤال صعب للغاية. ولكن من ربح في ميدان التحرير يا تُرى؟"
وهكذا يتواصل النقاش الصاخب حول مستقبل المؤسسة. إنه نموذج للنقاشات التي تشهدها البلاد بطولها وعرضها، وفي وقت يتعامل المصريون مع الاحتمالات والقيود التي تحملها لهم معها ثورتهم الوليدة.
ولكن يبدو أنه لا يوجد مؤسسة، مهما كان لها من المهابة والحصانة، بمنأى عن التغيير.