الخليل- لمراسلنا
قف.. انتظر.. يديك إلى الأعلى.. وجهك إلى الجدار... لا يجدر بك أنت كمسلم أو عربي أن تخلع نعليك وأنت في رحاب الحرم الإبراهيمي الشريف فأنت قادم إلى ثكنة عسكرية محاطة بالبوابات الالكترونية، شرطة وجنود ومجندات يرطنون حولك بكلام لا تفهم منه إلا ما تستوعب من إشارات.
لحظات تسكنها المرارة والخوف، وتحدها بكل الاتجاهات نظرات الرعب لكل من يقصد بيت أبي الأنبياء للصلاة، هكذا كان حالنا ونحن نلتمس طريقا لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث تزامنت الذكرى مع مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف فهناك واقع مؤلم أضحى عليه حال المسلمين ممن يرتادون الحرم للصلاة في الذكرى الـ17 للمجزرة.
الحرم بين اليوم والأمس
يعد المسجد الإبراهيمي الشريف في الخليل حلقة من حلقات الانتماء التاريخي للمسلمين في المدينة، ففيه قبر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام وهو محطة يرتادها كل من يريد الاستراحة من وجعه اليومي، وهو جزء من عقيدة المسلمين وورد ذكر ذلك في كتابه العزيز ، "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" وهذه الآية تؤكد أن المسجد هو مسجد خالص للمسلمين ولا مكان لادعاء اليهود من انه مقام أبيهم إبراهيم.
وحتى مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المجرم باروخ غولدشتاين في الخامس والعشرين من فبراير (شباط) عام 1994 ظل الحرم الإبراهيمي شامخا في وجه التحديات التي يفرضها قطعان المستوطنين والجيش الصهيوني من اعتداءات وعمليات قرصنة ضد الفلسطينيين من سكان البلدة القديمة حيث يقع الحرم على مساحة مقدرة بأربع دونمات يسيطر المغتصبون الصهاينة على 65% منها فيما ترك الباقي للمسلمين .
وبعد ارتكاب المجرم المجزرة وقتل (29) مصليا أثناء قيامهم لصلاة التسابيح فجرا وانتشار الأحداث والمواجهات في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وصولا إلى الدول العربية، أغلقت سلطات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ست أشهر كاملة بدعوى التحقيق في الجريمة وأطلقت خلال هذه المد يد الجماعات اليهودية المتطرفة لتحدد معالم المكان والزمان وشكلت سلطات الاحتلال ومن طرف واحد لجنة (شمغار) للتحقيق في المجزرة وأسبابها.
معاقبة الضحية
واستمرار لمعاقبة الضحية خرجت لجنة (شمغار) في حينه بعدة توصيات منها تقسيم الحرم الإبراهيمي وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة أكثر من (800) عائلة تقطن البلدة القديمة ووضعت الحراسات المشددة على الحرم وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه لاستخدامات المغتصبين وقامت بعدها سلطات الاحتلال بوضع كميرات وبوابات الكترونية على كافة المداخل وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين باستثناء بوابة واحدة عليها تشديدات أمنية كبيرة.
وبعد المجزرة أصبحت مدينة الخليل وقلبها عرضة لأطماع المغتصبين الذين استولوا على معظم مرافقها وشوارعها منها سوق اللبن وخان شاهين وشارع السهلة وسوق العتق فيما تم اقتلاع معظم المؤسسات الفلسطينية منها.
وتم إغلاق عدة مكاتب ومديريات فيها مثل مكتب مديرية الأوقاف القريب من الحرم الإبراهيمي ومكتب التموين ومقر لجنة إعمار البلدة القديمة، وكذلك إغلاق مقرات ومتاحف. ولا يرتاد الحرم الإبراهيمي اليوم إلا القليل من الفلسطينيين ولا يمر عبر بواباته إلا من اعتادت عيون الجيش والمغتصبين على رؤيتهم من النساء وكبار السن اما الشبان والفتيان فمكانهم الجدران حيث الإيقاف والمحاسبة والاستجواب: أين تمضى وماذا تريد ومن أي مكان أتيت ؟؟
قبر غولدشتاين تحول لمزار
وفي الوقت الذي تمر فيه مجزرة الحرم الإبراهيمي على الذاكرة العربية مر الكرام يقيم مئات المغتصبين الصهاينة طقوسهم التلمودية عند قبر غولدشتاين منفذ المجزرة، هذه القطعة من جهتهم تتحول بين الليلة وضحاها إلى مكان مقدس تفرش أرضه بالورود والرياحين فيما يجلس أهالي ضحايا المجزرة يجترون آلامهم ويستذكرون مساحات الوجع التي خلفتها المجزرة ويبكون واقع الحال الذي وصلت إليه البلدة القديمة التي تحولت بفضل اعتداءات الجيش والمستوطنين إلى مستوطنة كبيرة.
باروخ غولدشتاين كان طبيبا صهيونيا لكنك لو دققت النظر في ملامحه تدرك أن هذا المعتوه شرب لبان الحقد ضد المسلمين من معسكرات التدريب التي خاضها في أمريكيا وتدرك أيضا أن ملامحه مستقاة من ملامح مصاصي الدماء (دراكولا).
وبعد ارتكابه المجزرة التي استخدم فيها عشرات أمشاط الذخيرة لقنص المصلين قام عدد من المصلين ممن ادركتهم حلاوة الروح في لحظاتهم الأخيرة بمهاجمته وقتله بعبوة إطفاء الحرائق الموجودة بالمسجد وبعد مقتله طالبت زوجته معاقبة من قتلوه لأنه يمثل مشروع ما يسمي (إسرائيل) الكبرى التي لا يقام لها بنيان إلا على جماجم الأبرياء.
باروخ غولدشتاين كان احد تلاميذ المجحوم كهانا الذي ربى جيلا من القتلة ونثرهم في أرجاء العالم لقتل كل ما هو فلسطيني ومسلم وقد عمل في الجيش الصهيوني وكان من صميم عقيدته أن لا يعالج غير اليهود مع انه يعمل في مهنة إنسانية
تحول المكان والزمان
هناك مجزرة مستمرة بحق التواجد العربي والإسلامي في البلدة القديمة من الخليل ولا يستطيع عبقري زمانه الحديث عنها حتى بعض المسؤولين الذين يمرون من شوارع البلدة القديمة يتعرضون للإيقاف والاعتداء والمسائلة من قبل الجيش والمستوطنين. وفي الذكرى السابعة عشر للمجزرة لا تستطيع أن تميز أن كنت تسير على أراضي فلسطينية أم أنت في محيط مغتصبة كبيرة، حيث منعت سلطات الاحتلال الفلسطينيين من الوصول إلى شارع الشهداء وأغلقت بقرارات عسكرية مئات المحلات التجارية بعد فرض واقع مؤلم على حياة سكان البلدة القديمة، وإذا أردت أن تطلع على واقع الحال هناك فأنت غير مسموح لك بالعبور ولا ترى فيها إلا قطعان المغتصبين الصهاينة يتنقلون بين أربع مغتصبات صغيرة دمرت أي تواجد عربي أو إسلامي فيما بينها.
عدد قليل ممن يعنيهم الأمر من يتذكرون ما حصل وما قد يحصل، فمن حصد أرواح الركع السجود في بيت الله لا يهتم كثيرا لأرواح المؤمنين الذين يقبعون في سجن كبير اسمه البلدة القديمة، مئات العائلات تم ترحيلها أو رحلت وتركت ممتلكاتها عرضة لمن قالوا أنهم أبناء إبراهيم.
والمكان ليس مكانك والزمان حقبة خرجت من يدك ففي الحرم الإبراهيمي لا يصلي المسلم إلا تحت ظلال البنادق والكاميرات فهناك (29) كاميرا مثبتة على مداخل المسجد وفي أروقته، لا يحدث المرء نفسه بأي حديث إلا والتقطته الكاميرات أو حددته مجسات مثبتة على الجدران والأسلاك وكذلك مجسات تلتقط الهمسات عن بعد.
سلطات الاحتلال تكرر منعها لرفع الآذان حتى تصل 50 مرة في الشهر الواحد فيما تغلق في وجه المسلمين عشرة أيام في السنة لتفتح المجال لقطعان المستوطنين بالاحتفال بأعياد العرش (الفصح).