الرسالة – محمد العرابيد
منذ السابع من أكتوبر عام 2023 يستغل الاحتلال (الإسرائيلي) حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، للتغطية على جرائمه بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونه، إضافة إلى تنفيذ عمليات الإعدام والتعذيب بحق الأسرى.
وتشهد سجون الاحتلال السرية التي يقبع فيها معظم المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، إجراءات قمعية، وتعذيب، واخفاء قسري، وسوء الرعاية الصحية.
ومؤخرًا أعلن جيش الاحتلال أن 36 أسيراً من أسرى غزة المعتقلين خلال العدوان على القطاع استشهدوا منذ السابع من أكتوبر تحت التعذيب ونتيجة ظروف الاعتقال، وهذا ما أكدته مؤسسات حقوقية دولية معنية بشؤون الأسرى.
ومنذ أن بدأت العملية البرية في القطاع اعتقل جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني، بينما جرى الإفراج لاحقًا عن عدد ضئيل منهم، فيما لا يزال مصير الآخرين مجهولًا.
مراكز للتعذيب والقتل
ويواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ معتقلي غزة منذ 8 شهور من الإبادة، ويرفض حتى اليوم السماح للطواقم القانونية بزيارتهم أو التّواصل معهم.
فيما تزال المعطيات المتوفرة عن وضع الأسرى في سجون الاحتلال معلومات ضئيلة ومحدودة تمكّنت مؤسسات الأسرى من الحصول عليها من خلال من المعتقلين الذين يتم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال.
وكشفت تقارير وتحقيقات دولية عن فظائع ارتكبها الاحتلال بحق أسرى قطاع غزة وأدت لاستشهاد 36 منهم في معسكر الاعتقال (سديه تيمان)، وهي منشأة يحتجز فيها المرضى والجرحى من أسرى غزة.
وأشارت إلى وجود سجون ومعسكرات أخرى يحتجز فيها معتقلون من غزة، ولا تتوفر معلومات كافية عن ظروف احتجازهم، منها معسكر (عناتوت، وسجن عوفر وغيرهم).
فيما كشفت صحيفة غارديان البريطانية، أن الأسرى الفلسطينيين في معتقل إسرائيلي بصحراء النقب يتعرضون لعمليات تعذيب ممنهجة تسببت للعديد منهم في مضاعفات صحية خطيرة، يصل لحد الإعدام.
تعذيب قاسٍ
الشاب أحمد وهو اسم مستعار لأسير فلسطيني من سكان مدينة غزة، أفرج الاحتلال عنه بعد اعتقال دام لثلاثة شهور من معسكر "سديه تيمان"، يقول :" بعد اعتقالي من مستشفى الشفا، جرى نقلي لمركز اعتقال مكبل اليدين والعينين، دون أن أعلم أين المكان الذي ذاهب إليه".
ويضيف الشاب العشريني المتواجد حاليا في مدينة دير البلح وسط القطاع بعد أن أفرج عنه قبل شهر ونصف، في حديث لـ"الرسالة"، " وضعنا الاحتلال في أقفاص أنا وعدد كبير من الأسرى يتراوح عددهم 100 شخص، مكبلين الأيدي والأعين لمدة 50 يومًا، حيث تعرضنا لتعذيب قاس خلال التحقيق معنا".
وتابع الأسير المحرر: "في معسكرات الاحتلال السرية لا يسمح لنا برؤية الشمس، حيث أجلسنا الاحتلال على (الحصمة) لمدة الشهر بشكل متواصل، فيما كنا نتعرض لأبشع الشتائم والضرب المبرح على أماكن حساسة في أجسامنا، إضافة لتهديدنا بالقتل، وفي أغلب الأوقات كنا نتعرض للضرب المبرح".
ويكمل حديثة: "خلال التحقيق كنا نتعرض للضرب المبرح حتى نفقد الوعي، دون تقديم الرعاية الصحية لنا، أو أي دواء.. كان يقدم لنا مرة واحدة في اليوم خبزة واحدة، وجزء قليل من الماء".
ويقول الشاب أحمد ولا تزال علامات وأثار الضرب وتكبيل اليدين واضحة على أيديه: "هددنا الاحتلال بالاعتقال مرة أخرى والقتل في حال تحدثنا لمؤسسات حقوق الانسان أو خرجنا للحديث عما حدث معنا في مراكز الاعتقال".
وأظهرت شهادات المعتقلين المفرج عنهم، مستوى جرائم التّعذيب التي مورست بحقهم، ومنهم حالات خرجت وقد تعرضت لعمليات بتر في الأطراف نتيجة لذلك.
ويتعمد الاحتلال وإدارة سجونه ممارسة القتل والإعدام بحق الأسرى، من خلال التعذيب والتنكيل، ومنع الدواء، متجاوزًا كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية والحقوقية.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية، شهادات (إسرائيليين) أن المعتقلين الفلسطينيين يعيشون ظروفا قاسية للغاية في سجون الاحتلال.
وأضافت: "أن الأطباء في مركز الاعتقال يقومون أحيانا ببتر أطراف السجناء بسبب الإصابات الناجمة عن تكبيل أيديهم المستمر، والإجراءات الطبية التي يقوم بها أحيانا أطباء غير مؤهلين، حيث يمتلئ الهواء برائحة الجروح المهملة التي تركت لتتعفن".
مصير مجهول لأسرى غزة
بدوره، أفادت المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، أن أسرى قطاع غزة يعيشون في "سجون سرية" منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وسط تعتيم غير مسبوق.
وأضاف أن "الأسرى يغيبون في معتقلات سرية مثل معتقل (سدي تمان)، في النقب، والمعروف بكونه سيئ السمعة وبسبب قسوة المعاملة التي يتعرضون لها، بالإضافة إلى كافة أنواع التعذيب الشديد والممنهج، خاصة في بداية أيام الاعتقال".
وأوضح فروانة أن أجهزة الاحتلال تتولى مهمة استكمال التحقيق لأخذ المعلومات من المعتقلين في ظروف قاهرة، تشمل عمليات الضرب وصنوفًا كثيرة من التعذيب؛ حيث تكون بحاجة لأخذ اعترافات ومعلومات بأي وسيلة ممكنة.
وأشار إلى أن الاحتلال يرفض حتى هذه اللحظة التعاطي مع أي مؤسسة أو جهة تستعلم أو تطلب زيارة أي معتقل وخاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكدًا أن أعدادًا كبيرة انتهى الاحتلال من التحقيق والتعامل معهم ويرفض الإفراج عنهم.
جرائم بحق الأسرى
وطالب مكتب إعلام الأسرى، المؤسسات الدولية والحقوقية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بممارسة مهامها بشكل عاجل للوقوف على جرائم الاحتلال وسلسلة جرائمه بحق الأسرى.
واعتبر المكتب أن "ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال هو إمعان في الجريمة وهي جريمة مركبة بحق شعبنا وأسراه، وهو يؤكد ما ذكرناه مرارًا وتكرارًا بأن الاحتلال يمارس القتل والإعدام والسادية بحق الأسرى، ويفرض عليهم شروطًا وظروفًا غاية في القسوة والإجرام، متجاوزًا بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية".
ودعا مكتب إعلام الأسرى، المجتمع الدولي وكافة المنظمات والمؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه هذه القضية الخطيرة التي لم يشهدها العالم من قبل.
سيكون صاعقاً لمزيد من التفجير
بينما أكّدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أنّ تصعيد إدارة السجون الإسرائيلية سياساتها العدوانية بحق الأسرى "سيكون صاعقاً لمزيد من التفجير في وجه الاحتلال".
وقالت حماس في بيان لها،، عقب شهادات عن تنكيل وتعذيب الأسرى، شدّدت على أنّ الاعتداء الممنهج عليهم "لن يوهن عزائمهم"، وأنّ "المقاومة على عهدها بتحريرهم وكسر قيودهم".
وقالت إنّ "التنكيل بالأسرى وتعذيبهم يدل على أنّ الاحتلال يتبنى سياسة اعتداءات ممنهجة ضدهم بدافع العقاب والانتقام".
وبيّنت (حماس) أنّ الشعب الفلسطيني "لن يترك أسراه ضحية لهمجية الاحتلال النازية"، وأنّ المقاومة "ستبقى على عهدها بتحقيق حريتهم القريبة".
ودعت الحركة جماهير الشعب الفلسطيني وفصائله وشبابه إلى تصعيد حراكهم الثوري والمقاوم نصرةً للأسرى في كل الميادين وبشتى السبل.
وأكد فروانة في حديث لـ"الرسالة"، أن الغالبية العظمى من أسرى قطاع غزة يذهبون إلى المجهول داخل أقبية وسجون ومعسكرات الاحتلال، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.