يعمل في بلدية غزة

المهندس النبيه.. اختار تأدية الواجب رغم فرص النجاة

الرسالة نت

الرسالة نت- رشا فرحات 

عاد المهندس عاصم النبيه إلى غزة قبل أشهر من بدء الحرب، كان الانتهاء من ترتيب أموره في غزة والعودة إلى العمل في البلدية التي تركها منذ عامين ليكمل دراسة الدكتوراه في ماليزيا، ولم يكن في حساباته أن هذه الزيارة السريعة ستمتد حتى تكون حاجزا يفصله عن العودة إلى زوجته وطفليه في ماليزيا لينتهي من مناقشة رسالته والعودة بعائلته.

ولكن كل مخططات النبيه في مناقشة رسالته في جامعة ملاكا في ماليزيا أصبحت مؤجلة بعد السابع من أكتوبر، وبدأت سلسلة من المعاناة والتحديات والعمل الدؤوب وهو يشاهد قطاع غزة ينهار يوما بعد يوم بفعل الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ تسعة أشهر.

ورغم أن هناك فرصة في بداية الحرب أتيحت للنبيه حتى يغادر غزة ويعود إلى دراسته وأسرته، إلا أنه فضل المكوث فيها قائلا في مقابلة مع الرسالة:" لقد أرسلني الله إلى غزة قبل الحرب بأسابيع دون تخطيط مني لكي أعيش الحرب وتأدية الأمانه المطلوبة". 

الدكتوراه معلقة والعائلة بعيدة، والحرب طالت كثيرا بل فاقت  كل التوقعات ولكن النبيه ملتزم على رأس عمله، يكابد ما استطاع حتى يكون شريكا فعليا في تخطي الأزمة التي خلقتها الحرب.

يسير النبيه في الشوارع، فيرى الناس سكارى وما هم بسكارى، وقد فقدوا أوزانهم وملامحهم بفعل الأسى وقلة الطعام والحزن والفقد والركض وراء مستلزمات الحياة دون أن يكون لهم حصة كافية من التعبير عن مشاعر الفقد التي تسكن قلوبهم والتي لا زالوا يأجلونها من تسعة أشهر، ولكنهم يكملون الطريق، ويستمد النبيه منهم الصمود والتحدي .

يقول في مقابلة مع الرسالة:" أنام في مقر البلدية، أعيش فيه وأعمل على مدار أربع وعشرين ساعة متواصلة، كل هذا الدمار الذي نقف عاجزين أمامه أحيانا كان حافزا للعمل أكثر على توفير أدنى مقومات الحياة في مدينة لم تعد فعليا تصلح للحياة، بل وتحولت بعض أحيائها إلى طرق أشباح خاويه بعد أن هاجر معظمهم إلى الجنوب من قطاع غزة .

أصيبت والدة النبيه وشقيقته، وأعاق التوغل الإسرائيلي في ذروته علاج والدته، حيث كسرت يدها ولم تتلق العلاج اللازم بسبب شح العلاجات وهدم المستشفيات وانقطاع الطرق، وليس أمامها إلا الانتظار الآن ربما تحظى بفرصة علاج مناسبة لأوجاعها بعد انتهاء الحرب . 

عاش عاصم النبيه مجازر مدينة غزة بكل تفاصيلها وكان استشهاد الكثير من رفاق دربه حافزا  للمضي قدما في طريق لا يعرف نهايتها وبمشاعر اختلط فيها الحزن مع الحاجة بالألم مع الإصرار فكان خليطا يدعوه للثبات بعد كل قصة فقد وكأنه يبحث عن طريقة ليكون فيها من المصطفين بعمله .

يصور النبيه لنا حال العمل في ظل هذا الجنون:" نحاول استصلاح بعض الآبار ونحصل على بعض الكميات الشحيحة من الوقود لتشغيل بعض الآبار، ونعمل على صيانة بعض الخطوط حتى تصل المياه لأكبر عدد، لكن المحاولات صعبة والمخاطرة صعبة جدا، فقد دمر الاحتلال 125 آلية من الثقيلة والمتوسطة مما شكل شلل لعمل البلدية" 

نجا عاصم النبيه من الموت أربع مرات، ونجت عائلته أيضا في كثير من المرات، أخطرها كان في قصف منزل كان قد لجأ إليه في حي تل الهوى مع آخرين بحزام  ناري عنيف بجانب البيوت، ولكنه في كل مرة كان يزيد من همته ونشاطه واستمرارية عمله لأنه يرى أن أسباب الموت كثيرة واحد منها في غزة، ورغم اشتياقه لطفليه إياد وفرات واللذان يعيشان حالة من القلق مع والدتهما في ماليزيا، إلا أنه لم يحاول الخروج، بل تواصل مع الجامعة وأجل مناقشة رسالته أشهر أخرى، ولا زال شعاره في الصموت ثابت لا يتغير :" البطولة الحقيقية أن تواصل الوقوف على قدميك"

البث المباشر