قائد الطوفان قائد الطوفان

تقرير | شمال غزة.. في الشتاء أكلوا الخبيزة وفي الصيف أوراق الشجر

صورة من الأرشيف
صورة من الأرشيف

الرسالة نت- رشا فرحات

(لقد سلقنا ورق التوت وحاولنا أن نعد منه طبخة)، هذه ليست مزحة، فقد حدث فعلا في شمال قطاع غزة، في ظل شح المواد الغذائية وارتفاع سعرها، وهذه ليست المرة الأولى التي تجوع فيها (إسرائيل) أهالي الشمال، وتمنع المواد الغذائية من الدخول إلى هناك.

ويقول أحد المواطنين: "في المرة الأولى كان الشتاء كريمًا مقارنة بما يحدث في صيف اليوم، فالخبيزة طعام يؤكل، وينبت في الأرض دون ري أو تعب، كما أنه أكلة مفيدة وقد تعوض نقص الفيتامينات في الجسد، أما أوراق التوت، فلم نسمع أحدا قد تناولها يوما، ولا نعرف ما الذي يمكن أن تلحقه بأجسادنا من أضرار مع استمرار غليها، هذا إن وجدت".

هل سمعتم عن مدينة تباع فيها أوراق الشجر في الأسواق، لقد تحولت قصص الجوع التي سمعنا عنها يوما في القصص الخيالية إلى حقيقة وعاد بنا الزمان إلى العصر القديم، حينما كان البشر يعيشون في الكهوف ويصطادون الحيوانات البرية ويأكلون من أوراق الشجر، لكن، لا حيوانات برية في المكان، ولم يكن أهالي الشمال يعيشون في كهوف، بل كان لكل منهم بيت يمتد لطابق أو طابقين، بحياة مدنية معاصرة، ويسيرون في أسواق فيها ما لذ وطاب، حتى جاء الاحتلال وقلب كل موازين الكون وتخطى كل الأعراف الإنسانية.

يقول أحد سكان الشمال: لقد خسر الجميع أوزانهم، في المرة الأولى حينما اشتد الحصار، كنا نبحث عن الطحين حتى ارتفع سعر الكيلو ووصل 30 $، وكانت الأرض غنية بالخبيزة والسلق، ولكن الآن، لا خضراوات وما هي إلا أيام وسنحتاج الطحين أيضا، الأطفال يعانون من حالة جوع وهزال كبيرة، واللحم نادر الوجود، وإن وجد فهو مرتفع الثمن، ولا سيولة مالية، ولا عمل، حتى نوفر على الأقل وجبة دسمة لمرة واحدة في الأسبوع لأطفالنا"

وفي محاولة للصمود نشرت سيدة عبر صفحتها وصفات لطعام يخلو من معنى الطعام الحقيقي وكله يحتاج إلى مواد ليست متوفرة وإن توفرت تكون بسعر مرتفع، وقد تحول الليمون إلى حلم، والخيار إلى مستحيل، والبصل إلى قطعة من الجنة بعد أن ارتفع سعر الحبة الواحدة إلى عشرين شيكلا وأكثر، بينما خبأت بعض العائلات معلبات كانت قد دخلت مع المساعدات في الأشهر الماضية.

"ضع في طبق علبة فاصوليا، وأضف عليها عصرة ليمون إن وجدت، ومعلقتين من الطحينة إن وجدت، وقليل من الملح إن وجد، ورشة زيت زيتون، الكنز المفقود، طبعا إن وجد"  وهكذا كانت جملة " إن وجد" التي تخللت هذه الوصفة التي نشرتها سيدة عبر صفحتها في فيس بوك كفيلة بأن تلغي وصفة الطعام البائسة والاكتفاء بعلبة فاصوليا يأكلها الأطفال ولا تكفي لسد الجوع.

ومع الشح الذي فاق الخيال انتهت صلاحيات المعلبات، فأصيبت عائلات بالتسمم في إحدى المدارس، ولكن تناول معلبات منتهية الصلاحية قد يبدو أهون من تناول أوراق الشجر المطبوخة.

ولم يفرق الجوع في غزة والشمال بين غني وفقير، فالتاجر الذي كان بالأمس يملك ملايين الدولارات حطمت الحرب مشاريعه كلها، وأصبح عاريا بدون مال، وإن كان معه الكثير من المال لم يعد ذلك يغني ولا يفيد في ظل شح السلع وندرة الطعام.

وقد خرجت مبادرات تكايا الطعام في غزة، والتي تستخدم ما تبقى في الأسواق من عدس وبقوليات لصناعة وجبة تقدم لعدد كبير من المواطنين، ولكنها يوما بعد يوم بدأت تتقلص ولم تعد تكفي.

وفي الأرقام التي ينشرها العالم كل يوم تم تصنيف أكثر من 25 في المئة من الأسر في غزة باعتبار أنها "تعاني الجوع الشديد"، وتحديداً، استنفد 577 ألف شخص من أهل غزة ما لديهم من طعام، وما يملكون من قدرات على التكيف إذ يتناول تسعة من كل 10 فلسطينيين وجبة واحدة يومياً.

 وفي ظل ازدياد أعداد السكان الذين بدأوا يعانون ضعفاً جسدياً بسبب نقص الطعام أصبحت المناعة ضعيفة، وانتشرت الأمراض الجليدة وأمراض الكبد الوبائي، حتى لا يخلو بيت من مريض.

أحاديث كثيرة وتصريحات أكثر ومناشدات متكررة لم تغني ولا تفيد شيئا فقد قال جيان كارلو سيري، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في جنيف، إن الأزمات الغذائية تصاعدت بشكل مثير للقلق عام 2023، مشيرا إلى مخاوف خاصة بشأن غزة. وقال إن في غزة "يموت الناس بشكل واضح من الجوع".

وبحسب سيري، الذي قال: "لقد استنفدوا جميع استراتيجيات التكيف، مثل تناول علف الحيوانات، والتسول، وبيع ممتلكاتهم لشراء الطعام. إنهم في معظم الأوقات معوزون، ومن الواضح أن بعضهم يموت من الجوع".

واضاف أن 30 في المائة من الأطفال دون سن الثانية يعانون الآن من سوء التغذية الحاد أو الهزال، وأن 70 في المائة من السكان في الشمال يواجهون جوعاً كارثيا.

البث المباشر