لا تزال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة للشهر التاسع على التوالي تلقي بظلالها على جميع شرائح ومكونات المجتمع الفلسطيني سلباً، فيما تتزايد يوماً بعد يوم التداعيات الخطيرة على الأراضي الزراعية والتي أصبحت نسبة كبيرة منها قاحلة وغير صالحة للزراعة.
وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 80٪ من الأراضي الزراعية في قطاع غزة دُمِّرت أو تعذر الوصول إليها بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما أثر على "الأمن الغذائي" للسكان وفاقم حالة المجاعة التي فرضها الاحتلال على الأهالي.
وفي السياق، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن القوات الإسرائيلية جرفت ودمرت جميع الأراضي الزراعية على امتداد السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة وشماله بعمق يصل إلى قرابة 2 كيلو متر.
وبذلك تكون "إسرائيل" أخرجت ما يقارب من 96 كيلومترا مربعا، في محاولة لضمها للمنطقة العازلة بما يخالف قواعد القانون الدولي، يضاف إليها نحو 3 كيلومترات مربعة، جراء شق طريق ومنطقة عازلة تفصل مدينة غزة عن وسطها من محور "نتساريم".
آثار عميقة..
ويوضح الباحث والخبير في علم البيئة جورج كرزم أن أضرار هيكلية جسيمة لحقت بجودة التربة والغطاء النباتي والبنية التحتية الضرورية للأنشطة الزراعية، بسبب تآكل التربة وتدهورت.
ويضيف كرزم ، أن القصف الإسرائيلي المكثف المتواصل دمرت بنية التربة وضغطتها وتسببت في تآكلها، وأزالت الطبقة السطحية العليا الغنية بالمواد العضوية والمغذيات، وبالتالي فقدان إنتاجيتها، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الأراضي الخصبة قاحلة وغير صالحة للزراعة.
ويلفت إلى الآثار المتداعية على القطاعين النباتي والحيواني، حيث انخفضت إنتاجية المحاصيل بشكل واضح بسبب أنظمة الري التالفة، وعدم قدرة المزارعين على الوصول لأراضيهم، فيما يواجه القطاع الحيواني، خاصة مربو الماشية، صعوبات في توفير الأعلاف والمأوى للحيوانات، وكذلك نفوق معظم الثروة الحيوانية بفعل القصف الإسرائيلي المستمر.
سياسة التجويع وتدمير جودة المحاصيل..
ويشير الخبير في علم البيئة، إلى أن جيش الاحتلال يتعمد من خلال استهداف الأراضي الزراعية وتدمير المحاصيل وتعطيل أنظمة إنتاج الغذاء إلى تعميق المجاعة خاصة في مناطق الشمال، واعتباره سلاحا لإخضاع فلسطينيي القطاع.
ويلفت كرزم إلى أن الملوثات والذخائر العسكرية في المساحات الزراعية تشكل خطرا قاتلا على صحة المحاصيل وإنتاجيتها، وتتسبب في تدهور الأراضي وتصحرها وتآكل التربة.
ويبين أن التلوث بالمعادن الثقيلة لا يؤثر على التربة فحسب، بل يؤثر أيضا على جودة المحاصيل المزروعة في المنطقة.
خسائر فادحة..
بدوره، يقول المزارع رامي قاسم إنه تعرض لخسائر فادحة بسبب قصف الاحتلال للأراضي في المناطق الشرقية من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، بعد أن كان ينتظر بفارغ الصبر موسم حصاد البقدونس والذي كان بلغ تكلفة زراعته ما يقارب 10000 شيكل.
ويوضح قاسم، أن جميع ممتلكاته التي كانت في الأرض دفنت تحت الرمال بسبب القصف كشبكة الري، وماتور المياه والسولار الذي كان لديه.
ويشير، إلى أنه منذ حوالي شهر لم يتمكن من الوصول لأرضه بسبب شدة القصف في تلك المنطقة، مشدداً على أنه سيعاود استصلاحها وزراعتها مرة أخرى.
من جانبه، يقول المزارع سلامة محمد إن العام الحالي لم يتمكن من حصد موسم الزيتون بسبب خطورة المنطقة الشرقية، خلال فترة الاجتياح البري لمخيم البريج وسط القطاع، وفقدان ما يقارب 10 تنكات زيت من موسم العام الماضي تحت الرمال بسبب القصف.
ويضيف في حديث صحافي، أنه تفاجأ في أعقاب انتهاء العدوان من حجم التجريف الكبير لأرضه البالغة حوالي 10 دونمات، حيث أصبحت أثراً بعد عين ولا يوجد أي أثر حتى لحطب الزيتون، وليس الزيتون نفسه فقط.
نصائح وحلول
من جانبه، يدعو الخبير الزراعي نزار الوحيدي مزارعي قطاع غزة للعمل على تجاوز آثار قصف الاحتلال للأراضي بعيد انتهاء الحرب، من خلال تسوية التربة واستصلاح الأراضي، وإعادة تأهيل شبكات الرأي والدفيئات وإعادة زراعة الأشجار الغائرة التي استخدمت لأغراض الوقود.
ويشدد الوحيدي في حديث صحفي، على ضرورة تكثيف زراعة الأشجار الحمضية خاصة في المناطق التي تتواجد فيها المياه العذبة، والعمل على التواصل مع المؤسسات الدولية الداعمة وكذلك المؤسسات المحلية لتجاوز هذه الأزمة ودعم المزارعين.
ويلفت الوحيدي، إلى تضرر موسمي العنب والتين في هذا العام بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى مشاكل التصحر والتلوث بالمواد الكيماوية والتملح وانجراف التربة الناتج عن الرياح، وقطع الأشجار لأغراض الوقود بسبب ضغط الحاجة في ظل اشتداد الحرب.