ارتقى الشهيد محمد جابر، الملقب بأبي شجاع، هناك في مخيم "نور شمس" في "طولكرم" شمال الضفة الغربية، بعد رحلة من الجهاد والمقاومة، وملاحقة ومحاولات فاشلة في الاعتقال والاغتيال، لتنتهي رحلة ذلك الجسد النحيل في خاتمة لطالما تمناها.
ولد "أبو شجاع" عام 1998، في ذات المخيم الذي استشهد فيه، وعاش بين أزقته تفاصيل معاناة اللاجئين شاهداً على ذكريات التهجير.
عاش "أبو شجاع" في وسط عائلته التي هجرت من مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة عام 1948، إلى جانب 5 من الأشقاء، وتعرض لأول اعتقال بينما كان يبلغ من العمر 17 عاما فقط.
أمضى "أبو شجاع" خمس سنوات في سجون الاحتلال خلال اعتقالين متتالين قبل أن يفرج عنه ليلاقي ذات المصير لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي اعتقلته هي الأخرى مرتين، وبقي حتى ما قبل استشهاده مطلوبا لديها.
وخلال رحلة المطاردة والملاحقة، ودّع أبو شجاع شقيقه محمود شهيداً، إثر عملية اغتيال يوم 17 كانون أول/ديسمبر 2023، بعد استهدافه بصواريخ طائرة مسيرة، كما تعرض شقيقه عدي للاعتقال مرات عديدة وكذلك الشقيق الأصغر أحمد.
ولم تتوقف حملة الاستهداف لأبي شجاع وعائلته عند الاغتيالات والاعتقالات، بل إنّ الاحتلال لجأ إلى تفجير منزل العائلة وتشريدها وإجبارها على النزوح إلى منازل الأقارب في المخيم مع كل اقتحام.
أسس أبو شجاع في آذار/مارس 2022 إلى جانب رفيقه الشهيد سيف أبو لبدة، ما يعرف بـ "كتيبة طولكرم" التابعة لحركة "الجهاد الإسلامي"، والتي ضمت العشرات من الشبان والمقاومين من مخيمي "طولكرم" و"نور شمس"، لتصبح كابوسا يلاحق الاحتلال الذي يسعى منذ ذلك التاريخ إلى إنهائها.
وبعد نحو شهر من تأسيس تلك الكتيبة، تمكن جيش الاحتلال من اغتيال قائد الكتيب الشهيد سيف أبو لبدة، ليتولى أبو شجاع قيادتها وليصبح من ذلك التاريخ أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال التي حاولت غير مرة اغتياله.
وعلى خلفية عمله المقاوم وقيادته للكتيبة التي توسعت لتضم كثيراً من النشطاء، حتى من خارج حركة "الجهاد الإسلامي"، زادت محاولات الاحتلال لاغتياله بالإضافة إلى أنه أصبح مطلوبا لأجهزة أمن السلطة التي اتهمته بإقامة تشكيلات عسكرية مسلحة تتعارض مع اتفاقياتها وسياساتها.
وفي تطور لافت بحياة "أبو شجاع"، أقدمت أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، يوم 26 تموز/يوليو الماضي، على محاصرة مستشفى "ثابت ثابت" الحكومي، في مدينة طولكرم، في محاولة منها لاعتقال أبو شجاع، الذي حضر هناك؛ لتلقي العلاج من إصابة في يده تعرض لها في أثناء الإعداد والتجهيز، قبل أن يمتلأ المشفى ومحيطه بالجماهير الغاضبة، التي حضرت لفك الحصار عنه ومنع اعتقاله حيث نجحت بالفعل بتحريره، وخرجت به محمولا على الأكتاف.
وكان جيش الاحتلال، أعلن بتاريخ 19 نيسان/أبريل الماضي، أنه استطاع اغتيال "أبو شجاع" بعد استهداف منزل كان يوجَد فيه بالقصف، وما هي إلا ساعات قليلة، حتى خرج أبو شجاع ممتشقاً سلاحه محمولاً على الأكتاف.
وكان المشهد الأخير في حياة "أبو شجاع" صباح يوم الخميس 29 آب/أغسطس، وبعد ساعات من الاشتباكات العنيفة، التي تخللها إطلاق قذائف "أنيرجا" الحارقة والمدمرة، على المكان الذي كان يتحصن فيه أبو شجاع، ارتقى محمد جابر إلى جانب 3 من رفاقه المقاومين، لتطوى صفحة، ستبقى ملهمة لكافة الأجيال التي عرفته.