قالت: "لا أعلم شيئا عن قبر والدي، مدفون في مقبرة شرق خان يونس، قالوا لي إن هناك مجزرة قد ارتكبت هناك، وبأن الدبابات داست القبور، لقد حلمت بالأمس بأن أبي الذي توفي قبل عشر سنوات قد استشهد في هذه الحرب، هل تعتقد أننا لن نجد له قبرا؟!".
كان السؤال مؤلما للحد الذي يمكننا أن نطالب فيه بأن يحمي حتى موتانا، الذين استشهدوا في الحرب، وأولئك الذين ماتوا قبل سنوات الحرب بكثير، حيث العشرات الآن في قلق من فقدان قبر عزيز أو قريب، مكان كانوا يعتقدون أنهم حينما يذهبون لإلقاء التحية عليه كل عيد فهم بذلك يبدأون احتفال العيد وبركته، ولكن الأموات الآن في جهة غير معلومة، بعد أن نبش الجنود القبور، سرقوا الجثث، داسوها بالدبابات.
وفي الحرب أيضا، دفن آخر، حيث دفن الأهالي أحبتهم من الشهداء على قارعة الطرق، وفي باحات المستشفيات، وفي حدائق تابعة لمنازل أو مؤسسات، منها منزل أبو بلال، دفن ابنه أسفل شجرة الرمان في باحة منزله الخلفية، والتي ستتكوم فيها أمطار المياه طوال فصل الشتاء، ولا يعرف مكانا أكثر آمنا لينقل إليه جثمان ابنه الشهيد، فهو يعلم تماما أن قوات الاحتلال اجتاحت المقابر وداست الشهداء وسرقت الجثث.
سائدة هي سيدة نزحت إلى الجنوب، تركت قبر والدها أيضا مدفونا من سنوات في مقبرة جباليا:" حينما رأيت القبور المجرفة، والشواهد المحطمة، والتي داستها الدبابات في مقبرة جباليا أخذت أرتجف، شعرت أن قلبي تقطع، هل كان واجبنا أن نأخذ قبور أحبتنا أيضا معنا إلى الجنوب".
وتستنكر:" كيف يدعي الاحتلال أنه يبحث عن جثثه بين قبورنا، إنه يدوس القبور بشكل متعمد، يخلطها خلطا ويخفي معالمها، قبل حتى أن يبحث فيها!! فهل يفعل من يريد أن يبحث عن جثثه هكذا؟!! إنه يريد أن يخفي كل معالمنا ووجودنا وحتى موتانا، يريد أن يخفي أي تاريخ في هذه المنطقة."
تضيف: هذا ليس مستغربا، يفعل الاحتلال ذلك منذ سبعين عاما، ينبش قبورنا، ويخفيها، كما يفعل الآن في القدس في مقبرة باب الرحمة، ومقابر المقدسيين التي يثبت تاريخها الطويل حق الفلسطينين، ثم يبني قبوره الوهمية، ويؤلف رواياته التي تدعم الاستيطان واحتلال الأرض، وهذا ما يخاف الغزي من حدوثه.
وتقول أم محمود: أمي مدفونة في مقبرة التفاح، بجانب منزل العائلة، أخاف من العودة إلى غزة، والبحث عن قبر أمي فلا أجده، أسأل نفسي كل يوم، هل جرف الاحتلال قبرها وجرف عظامها، لقد سمعت في وسائل التواصل ورأيت مشاهد تجريف مقبرة التفاح، وأنا متأكدة أن قبر أمي جرف أو تضرر أو ضاع شاهده، سأتوه بين القبور حينما أعود وأبحث عنها، ذلك الأمر محزن بالنسبة لي كثيرا".
وقد أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على نبش 1100 قبر في مقبرة حي التفاح شرق مدينة غزة في يناير الماضي وأخرجت جثامين الشهداء والأموات منها، داستها، أمام أعين الأهالي المتبقين في الحي الشرقي هناك، وقد فعلت ذلك في مقبرة جباليا ومقبرة المعمداني، ولعل الأهالي فضلوا أن ينقلوا جثامين أبنائهم إلى جانبهم في باحات بيوتهم ليضمنوا لهم قبرا لا تصله الدبابة وإن كان ذلك مستحيلا!!.
وقد كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قيام الجيش الإسرائيلي بـ"الاعتداء" على 12 مقبرة عبر تجريفها ونبشها في قطاع غزة.
وقال المركز "إنه وثق اعتداء الجيش الإسرائيلي على 12 مقبرة على الأقل في قطاع غزة عبر تعمد تجريفها، ونبش وتخريب القبور فيها وسلب عشرات الجثامين منها في خضم جريمة الإبادة المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي."
وبين المركز أن فريقه الميداني في غزة، عاين تعرض مقبرة (البطش) شرقي مدينة غزة إلى عمليات تجريف واسعة شملت نبش القبور والدوس بالآليات العسكرية على جثامين القتلى فيها وتقطيع بعضها.
فيما يتعمد الاحتلال تسليم عشرات الجثامين إلى الجهات والمنظمات الصحية بغزة بعد سرقة أعضائها، يقوم بذلك دون أن يقدم أية معلومات تخص هذه الجثامين، التي تضطر وزارة الصحة بغزة لدفنها في مقابر جماعية.